تبدأ الورطة بسلاسة وبساطة، بكلمات رقيقة ودودة ظاهرها أخوي لطيف وربما كان باطنها في البداية كذلك قبل أن تغيّر النفس الأمارة بالسوء موازين العلاقة الأخوية الحميمة، يكون أحد الأقارب أو زملاء العمل مضطراً للمال أو لشراء سلعة ضرورية كالسيارة وتلزمه الشركة البائعة بكفيل غارم، فيبدأ بتحديد الشخص الملائم الذي يظن به خيراً وأنه شهم ولن يرد طلبه في (الفزعة) بكفالته أمام الدائن صاحب الحق، يستجيب الشهم الطيب لأواصر القرابة والزمالة ويخضع تلقائياً لنوازع الشّيم المختزنة في ذاته وربما منعه حاجز العيب الاجتماعي (المزعوم في هذه الحالة) من التمنّع بأي عذر أمام من استفزع به فيلبي رغبته بقناعة تامة متخيلاً نفسه في مكانه ذات يوم ويحتاج لمثل هذه الفزعة، هذا قياس منطقي عند كل الطيبين غير أن المكفول أحياناً إذا جد الجد وحان دفع الأقساط قد تشحّ نفسه بالمال ويأخذ بمبررات النفس اللئيمة التي تحولّه إلى (ممطال عرقوبي) كما حدث مؤخراً لمن كفل زميله وهو صديقه في قيمة سيارة ولكنه كما يقولون قديماً ( قلب له ظهر المجنّ) مما أثار عواطف بقية زملاء العمل فجمعوا له المبلغ وإخراجه من السجن، هذا هو نظام الكفالة فمن لا يسدد ما عليه يسجن كفيله حتى يتم التسديد، المماطل يتمتع بالسيارة وهو حر طليق والكفيل بين جدران السجن، لا أحب أن ألقي التهم جزافاً لكن وقائع سمعت قصصها ولم أطّلع على وثائق تسندها تقول إن ثمة من يتلاعب بعقول الطيبين من خلال ثغرات نظام الكفيل الغارم بحيث يتم الاتفاق بين طرفي الكفالة لابتزاز مجموعة من الطيبين الأخيار من الأقارب والزملاء وأهل الخير مثلها مثل ما يقال عن أعمال مماثلة فيما يخص جمع الديات لعتق رقاب بعض المحكومين بالقصاص، مما يستدعي أصحاب القرار في الدوائر الأمنية والشرعية للحيطة والحذر والتحسّب لمثل هذه الألاعيب إن صدقت الروايات ولا أظنها كاذبة حسب ما تواتر عنها، مع ضرورة سن نظم تجبر المحتال (المكفول) وأمثاله من المماطلين في حقوق الناس على الحضور بأنفسهم دون تأخير لتسديد ما عليهم وذلك عبر إجراءات لا تخفى على أصحاب الشأن وهم أعرف بالناجع منها وما يمكن أن يجعل المتلاعب ينصاع للأنظمة والقوانين المرعية، ومن ذلك تعطيل سجلّه المدني مؤقتاً لا سيما لدى جهات لا يمكنه قضاء مصالحه الروتينية بدونها كالبنوك ونحوها والتعميم على دوائر الخدمات بهذا الشأن ما عدا الحالات الضرورية كالإسعافية والإنقاذ ومماثلها، وتحديث نظم الضبط والإحضار التي تصدرها المحاكم الشرعية والتعاون في ذلك مع جهات الأمن المختصة لإحضار المتهم والمطلوب فلا يمكن أن تسند هذه المهمة للمدعي صاحب الحق لمطاردته وتحميله مزيداً من المشقة والعناء والإهانات منه علاوة على تعطيل مصالحه الأخرى بسببه.
مما تعكسه قصص وحكايات المجتمع في مسألة الكفالة فإنها بوضعها وصفتها الحالية تحتاج لدراسة عاجلة في إطار شرعي مرن يمنع التلاعب وهضم حقوق الغير من خلالها وسد كل الثغرات التي ينفذ منها ضعاف النفوس لسلب الطيبين الأبرياء مدخراتهم وقوت أطفالهم، وتشديد الإجراءات والتعامل بحزم مع كل متهاون.
t@alialkhuzaim