ربما يكون الصمت حكمة “أحياناً” كما يقال.. إلا أنه في أغلب أحواله عاهة وكبت.. يتراكم مع مرور الوقت وضياع الفرص حتى ينسى الإنسان كيف يتحدث.. ولو بحثت عن هذا الصامت الحكيم الأسطورة الخرافية.. ستجده إما لا مبالياً وسيفعل ما يحلو له سراً ومن تحت الطاولة.. أو ضعيفاً وجد في صمته مخدعاً تنام فيه حقوقه وأفكاره ومشاعره إلى أجل غير مسمى.
ولا شك أن المتحدث البارع أو التلقائي البسيط أكثر وضوحاً وشفافية.. فبدلاً من أن تزرع في نفسك ونفوس أبنائك مزايا الصمت الغريبة.. لماذا لا يكون البوح الخيار الأكثر عقلانية ومنطقية.
إن المشاكل المعلقة بدأت وتنتهي دون حل في الحديث الذي لم يُقَل.. أما ما قيل فإنه رهن الحوار والجدل والتفاوض وكل أنواع الأخذ والرد.. أما أن تسكت وتطلب أن يفهم الخلق ما تريده فأنت تعيش عالم الخيال الساذج.
إن ما يحدث للصامت أنه لا يسأل وبالتالي يتكل على توقعاته وتحليل مغلوط.. لذا حتماً سيرى الأمور على غير حقيقتها.. وبالطبع لست أدعو لحياة أشبه ما تكون بحفلة صاخبة مزعجة من المحاسبة.. إنما لحظة تكون بحاجة للحديث أو ترى حقك ينتهك أو تريد شيئاً ما.. قلها وأعلنها.. وكسّر قيود الخوف أو الكبرياء.. وسخافة الصمت.. وتحدى التوقعات.. حينها أجزم أنك ستعرف أنك كنت بعيداً جداً.. أو اتخذت موقفاً دون وجه حق.. وسترى الحجاب يسقط عن أمور جوهرية لم تكن تراها.
وكما أن للصمت عيوبه.. فله في بعض المواقف جمال وحاجة ملحة.. ومن أروعها لحظة نكون في حضرة المغفرة لخطأ إنسان عزيز أو عائد إلينا بعد هجر.. فحاجة الاحتضان والاحتواء أجمل من قائمة التساؤل والمحاسبة.. وفي موقف أجمل فإن نسيان ما حدث بالأمس من ألم.. خير من متابعة فتح الجراح.
فعندما تحدث الأخطاء.. يجدر بنا أن نركز على الدرس العائد من الموقف.. لكل الأطراف.. بدلاً من متابعة العتب.. والغضب.. والجدل.. وتراشق التهم والمسئوليات.. هكذا يكون إصلاح الأخطاء وتفاديها مستقبلاً.. عندها يكون العقاب مرحبا به.. أما حشر المخطئ في زاوية الخزي والعار.. فلن يقدم إلا مزيداً من الأخطاء والعناد.
amal.f33@hotmail.com