كتبت مراراً أن بلادنا، ورغم امتلاكها، مواقع أثرية مهمة جداً - لو كانت لدى غيرنا لصنع منها ثروات وموارد ضخمة لدولته- إلا أننا وبسبب توافر موارد طبيعية صنعت التنمية لدينا، لم نركّز على هذه الصناعة العالمية المهمة، أعني السياحة.
والسياحة لدينا لا تعتمد على ما نوفره من خدمات وترفيه، بل على ما وهب الله أرضنا من مواقع ومدن وحضارات موغلة في القدم، وهو أمر لا يمكن شراؤه، ولا نقله، بل هو هبة الله في أرضه.
لكننا ومنذ عقود كنا نجزم أننا لن نتقدَّم خطوة واحدة في السياحة، ولن نظفر بتوظيف آثارنا مطلقاً، بسبب الموقف الديني من الآثار، وهو الذي يحرم الاهتمام بهذه الممالك والحضارات، مما جعلها عرضة للإهمال وتعدي العابرين عليها، فما أقسى - والله- أن تشاهد أحد الخطوط المسمارية، التي جاء بها السومريون كأول ابتكار للكتابة في التاريخ، وقد كتب أحد المراهقين فوقها عبارات ساذجة بالبخاخ (البوية)!
ولقد أحسنت صنعاً الهيئة العامة للسياحة والآثار حينما نظَّمت جولة لعضوي هيئة كبار العلماء ومستشاري الديوان الملكي الشيخين عبدالله بن منيع وعبدالله المطلق إلى موقعي «المابيات» الأثرية ومدائن صالح، وكم كان رائعاً حينما صرّح الشيخان بالقول: «أن مثل تلك المواقع الأثرية هي حضارات سابقة لكل بلد، وهي محل عبرة وعظة زيارتها تعطي من التأثير وتقوية الإيمان، ومن يعبث بآثار بلاده فهو عابث بمصالح البلاد، وهي نظرة كيف كانت الأمم في العصور السابقة».
فمنذ سنوات بعيدة، كان إقناع العامة لدينا، بل حتى المتعلّمين أحياناً، يأتي من قناعة دينية، تلك التي تأتي من شيخ يعد مصدر ثقة للجميع، ليس على هذا المستوى الحساس، أعني الآثار التي تعد مصدراً للدخل الوطني للبلاد، بل حتى مع الأدوات والأجهزة الحديثة، التي تثير الإنسان العادي البسيط، وتجعله يشكك في تأثيرها على دينه وهويته.
كنا قديماً لا نعرف سوى قسم الآثار بكلية الآداب، جامعة الملك سعود، وكان طلابه يعملون كمدرسي جغرافيا مثلاً، أو يكتشفون أنهم أضاعوا وقتهم ومستقبلهم، فيبدلون مجالهم بدراسة دبلوم أو نحوه، أو يلتحقون بقطاعات عسكرية، لكن استشراف المستقبل جعلنا ندرك أن تنويع مصادر الدخل هو ما يجب أن نفعله، فأصبحت لدينا كلية للسياحة والآثار، وهيئة عامة للسياحة والآثار، ومع ذلك ما زلنا بحاجة إلى المزيد لصناعة سياحة متنوِّعة، بدلاً من التوقف عند ما يُسمى بالسياحة الدينية.
ولعل في قول الشيخين، أن من يعبث بآثار بلاده فهو عابث بمصالح البلاد، هو قاعدة أساسية لبناء نظام صارم، كما في كثير من الدول، بأن العبث بالآثار، وسرقتها، وتهريبها إلى خارج البلاد، وبيعها، هي جريمة عقوبتها السجن لسنوات يحددها النظام.
ما زلت أشعر بالمرارة كلما زرت متحفاً في مدن العالم، ووجدت قسماً للآثار الإسلامية، أو آثار حضارات وأمم ما قبل الإسلام، التي كان موطنها شبه الجزيرة العربية، وكلما تجولت بين القطع الثمينة المنهوبة من بلادنا، وما زلت أبتسم بحنق كلما قرأت كتب الرحالة الذين مروا بالجزيرة العربية مطلع القرن الماضي أو الذي قبله، ثم أتنفس بعمق وأسأل: ماذا جئت تفعل أيها الرحالة في بلاد القيظ والجوع؟