كنت أتنقل بين القنوات الفضائية في إحدى الليالي بحثا عما يستحق المتابعة وما أقله في فضائنا العربي، فوقعت على مسلسل قديم تبثه قناة (سما دبي) وهو المسلسل الاجتماعي التربوي (إلى أبي وأمي مع التحية). هذا المسلسل كان قد عرض عام 1981 فيما أذكر وهو من إبداعات الدراما الكويتية في تلك الفترة خصوصا حيث الكتابة الاحترافية مع طاقم الممثلين المحترفين مضافا إليهم الكوادر الفنية من إخراج وغيره.
أحدث هذا العمل الدرامي المتميز وقتها أصداء واسعة وأذكر أننا كنا نتسمر وقتها أمام التلفاز متابعين له حين لم يكن وقتها قنوات فضائية، وكنت حينها في المرحلة المتوسطة، فكنت أجد فيه ما يخصني كفتى في مرحلة حساسة لأنه مسلسل يعالج كل ما يخص أفراد تلك الأسرة من أب وأم وأبناء وبنات وما يعتري حياتهم اليومية من مواقف ومشاعر واحتياجات نفسية واجتماعية. لم يكن أسلوب المسلسل التوعية بأسلوب مباشر وممل، إنما بطريقة درامية مشوقة واحترافية بأحداث ومواقف مترابطة. مرت السنوات تلو السنوات على هذا العمل المتميز وشاء القدر أن أصادفه يعرض وأنا رب أسرة هذه المرة، فلكم أن تتخيلوا ما تثيره هذه المشاهدة من ذكريات ومشاعر. لكن لم يخطر على بالي أن هذا المسلسل يمكن أن يشد أبنائي الصغار وأحدهم في الصف الأول الابتدائي والذي ترك ما بيده تلقائيا دون أن أطلب منه، مع أخيه وهو في المرحلة الابتدائية أيضا، إلى حد أنهم سألوني في اليوم التالي (متى يأتي المسلسل الذي شاهدناه بالأمس يا بابا). هذا أوضح دليل على الإبداع والتميز وصدق العمل والبعد عن الإسفاف، تماما نقيض ما يعرض للأسف الشديد من مسلسلات في معظم القنوات التي تملأ الفضاء العربي، من كتاب (مع التحفظ على إطلاق لقب كاتب على معظمهم) للأسف يفتقرون إلى أسس الكتابة الدرامية فضلا عن الثقافة الاجتماعية والعامة مع كوادر فنية إخراجية وغيرها أصابها ما أصاب غيرها من سطحية، فخرجت مسلسلات لعرض الأجسام والأزياء، همها إشباع العيون لا الارتقاء بالوعي الاجتماعي وتسليط الضوء على مشاكل المجتمع دون تجميل أو تضخيم، كما هي رسالة الفن الأساسية. إن النفس تمل أسلوب الوعظ والتوعية المباشر، لذا تجد أن الكتب السماوية وآخرها القرآن الكريم تنتهج أسلوب القصص -الحقيقية بالطبع- لشحذ الخيال وصقل الفكر وبث العبرة واستخلاص تجارب أصفياء البشرية وعظمائهم. إن استيراد النفايات الفنية ومحاكاتها، أو عمل نسخ من برامج أجنبية وتقديمها دون تكييفها وتعديلها لتلائم ثقافتنا ومجتمعاتنا هو تخلف حضاري لن يجلب لنا احترام غرب أو شرق، فمن لا يحترم ثقافته لن يحترمه الآخرون. وأكثر ما أستغربه هو أسلوب كثير من القنوات الفضائية العربية وكأنها موجهة لأجانب وليس لعرب، فاللغة نصفها بالانجليزية، والموسيقى غربية صاخبة، والمضمون سطحي وغرائزي، وهذا ليس تعميما بالطبع ولكنه يغلب للأسف على كثير أو معظم قنوات الفضاء العربي. وتاما أتساءل أين مؤسسة الإنتاج الخليجي المشترك والتي قدمت أعمالا كبيرة بداية الثمانينات واستمرت طوالها مثل عملها المبدع (افتح يا سمسم) و(سلامتك) وغيرها من الأعمال المتميزة. ودمتم في رعاية والي الأقدار.
omar800@hotmail.com