كم هي مؤلمة خسارة الأوطان بفقد رجالها الذين يعطونها من محبتهم وإخلاصهم وعطائهم!
إنه أمر ميسّر أن تعوض شأناً مادياً مهما كان كبيراً، لكن تعويض الرجال أمر صعب وعسير.
آخر الرجال الكبار في هذا الوطن الذين فقدناهم هو سمو الأمير سطام بن عبدالعزيز بعد أخويه سمو الأمير سلطان وسمو الأمير نايف -تغمدهم الله جميعاً بواسع رحمته، وجمعه وجمعنا بهم جميعاً في جنة المأوى.
الأمير سطام لا تملك إلا أن تحبه لتلك السجايا التي يحملها والتي تشعر بها من خلال أعماله وليس من كثرة أحاديثه.
) أولى تلك السجايا: البساطة والتواضع، إن من يلتقي به يحس باحترام شديد ليس ناتجاً من استحقاقات منصبه ولكنه نابع من استحقاقات أخلاقه، فهو يكسر الحاجز الذي بينك وبينه بجميل تواضعه وبساطة حديثه.
أذكر ذات ليلة أن سموه هاتفني حول موضوع كتبت له عنه وطلب مني أن أزوره في مكتبه غداً بعد الظهر، فقلت لسموه: بحول الله لكن إذا يسمح سموك أن تكون زيارتي لك يوم الثلاثاء حيث إن غداً الاثنين وهناك جلسة لمجلس الشورى فرد عليّ بلطف وتواضع: «أنتم يا أهل الشورى حنا نزوركم وتعال يوم الثلاثاء» رحمه الله.
)) خصلة أخرى كم أتمنى أن نقتدي بها جميعها وهي: تقيده بالنظام وتمسكه به، فهو يرفض أي شأن فيه مخالفة للنظام، يذكر لي أحد الأصدقاء أنه كان لديه في مكتبه ودخلت عليه إحدى الشخصيات الشابة التي تربطه بسموه علاقة صلة وقرابة، وحكى للأمير سطام الموضوع الذي جاء من أجله ونحن نسمع، وبعد حديثه قال له سمو الأمير سطام: «مادام قالوا لك أن النظام لا يسمح بتحقيق طلبك فهل تبغاني أن آمر بشيء يخالف النظام» فما كان من الزائر إلا أن قبل رأسه وخرج.
فضلاً عن ذلك كان «رحمه الله» كما وصفه مدير عام مكتبه أ/ سحمي بن شويمي: حريصاً على إنجاز معاملات المواطنين/ وكان ينقل معه العمل إلى قصره وكان كما قال أ/ سحمي يتخذ القرار بحزم وشجاعة إلى جانب ذلك كان محباً للخير بكل سرية، فقد كان كما أوضح مدير مكتبه يفطر كل عام في رمضان ثلاثة آلاف صائم، جعل الله ذلك له من أعماله الباقيات.
لقد تولى سمو الأمير سطام إمارة منطقة الرياض بعد فارسها سمو الأمير سلمان، وعاش مع سموه كل خطوة تنموية وتنظيمية وتطويرية عاشتها الرياض ومحافظاتها، وعندما تولى إمارتها بدأ يستكمل خطوات التطوير مستنيراً بنبراس الأمير سلمان، كما قال في حديثه الذي نشرته الجزيرة بعد رحيله، وقد بدأ خطوات التطوير والإنجاز وإن كان القدر لم يمهله طويلاً -رحمه الله، لكن المواطنين يذكرون رغم قصر مدة توليه للإمارة منجزات مباركة لعل من أبرزها:
) اهتمامه بملف النقل العام الذي كان أحد هموم سموه وهو الذي حمل هذا الملف بوصفه مسؤولاً كبيراً بالرياض، وبوصفه رئيساً من سنوات طويلة للجنة السلامة المرورية فيها، وقد سعى -رحمه الله- لدى القيادة حتى استصدر الموافقة على هذا المشروع الضخم، وقد كان هذا المشروع حلماً لسموه وكان يتحدث عن موافقة خادم الحرمين الشريفين عليه بسرور بالغ، وقد سأله أحد حضور مناسبة أقامها الشيخ عمر العبداللطيف في مزرعته على شرف سموه، وكم أثلج الصدر حينما تحدث عن آثار وإيجابيات مشروع النقل الذي سينقل الحركة بالرياض نقلة كبيرة يتقلص معها الزحام وتقل الأضرار على البيئة وتخف الحوادث بحول الله، ولم يفارق الدنيا إلا وقد قرت عينه - بحمد الله - بقرب بدء هذا المشروع وقرب مباشرة الشركة الفائزة بتنفيذ هذا المشروع الضخم، وكم من دعوات إلى البارئ سترتفع لسموه بعد انتهاء هذا المشروع الذي سيسهم -بحول الله- بفك اختناقات المرور وتخفيف معاناة السير في طرق الرياض.
) الأمر الثاني هو: إنهاء تلك القضية التي خلق منها المجتمع مشكلة وصارت حديث المجالس ووسائل الإعلام وهي: دخول الشباب إلى الأسواق فحسم الأمر وسمح بذلك وطلب مراقبة الأسواق من هيئة الأمر بالمعروف وعدم التهاون مع أي شاب يسيء الأدب فيها، وقد تم ذلك وكان الشباب - بحمد الله- على قدر المسؤولية التي أعطيت لهم، وأذكر أنني سعدت بحضور مناسبة لدى الأستاذ عبدالرحمن العبداللطيف على شرف سموه بعد أسبوع من تطبيق هذا القرار وتم الحديث فيها عنه، وكان من بين الحضور معالي الشيخ عبداللطيف آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، وتوجه إليه سمو الأمير الراحل سائلاً عن آثار هذا القرار فأجاب الشيخ عبداللطيف: «في أول يومين كان هناك حالات سوء أدب من بعض الشباب تمت ملاحظتها بحدود 100 حالة على ما أذكر، وبعد مضي أسبوع لم نلحظ سوى حالات نادرة في بعض الأسواق لم تتجاوز 6 حالات، وكان سمو الأمير سطام سعيداً ومعه الحضور وهو يسمع هذه الإجابة.
رحم الله سمو الأمير الغالي سطام بن عبدالعزيز الذي عاش حياته هادئاً منجزاً وختم حياته محبوباً صابراً موصياً بأن يدفن في خير البقاع «مكة المكرمة»، هذه البقعة التي انطلق منها نور الإيمان، فاللهم نوّر عليه في قبره وجازه بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً واجعل ما أصابه مكفّراً لذنوبه، اللهم واجمعنا به مع والدينا وكل الراحلين عنا من الغالين والغاليات في دار لا فراق ولا أسقام فيها بل نعيم مقيم بجوار الجواد الرحيم.
hamad.alkadi@hotmail.comفاكس: 4565576 ---- تويتر @halkadi