Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 17/02/2013 Issue 14752 14752 الأحد 07 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الفرق بين التمدن والتحضر هو أن التمدن للعمران وأن التحضر للإنسان، وعندما تغيب هذه البديهية عن التخطيط التنموي أو حتى تستحضر بهامش محدود من الاهتمام لحساب التمدن باعتباره أسهل وأسرع في الظهور للواقع فإن المستقبل بما يحويه من مستجد سيكشف قصور هذه الخطط ويجعل عملية تصحيح الأخطاء أكثر كلفة.

لقد بدأت خطط التنمية لدينا قبل أكثر من أربعين عاماً، استطاعت فيها المملكة أن تتقدم مدنيا وعمرانيا بشكل هائل وكبير، نمو تراكمي تميز بالسرعة إلى حد أن التحكم فيما بعد بزخم هذا النمو وسرعته صار مزعجاً في كثير من الأحيان، خاصة وان كل انجاز له تكاليفه المادية الباهظة والتي تعتمد على إيرادات النفط الذي يتحكم بقيمته وأسعاره سوق النفط الدولي، لكن هذا النمو المدني والعمراني الذي ركزت عليه خطط التنمية سبق وتجاوز النمو التحضري بشكل كبير نتيجة هذا التركيز وعدم وضع النمو التحضري في أهمية النمو التمدني، ولعل الفلسفة في ذلك تعود إلى الاعتقاد بأن النمو المدني هو بحد ذاته واحد من عوامل تطوير الوعي والنمو التحضري وهو ما تحقق نسبيا ولكن ليس بالمستوى الموازي للنمو المدني، وللتوضيح، فقد صار لدينا المطارات والطرق والأبراج العالمية أو على الأقل التي توازي نظيراتها في الدول المتقدمة ولكن لم يصل الوعي والتحضر المعرفي الفكري والسلوكي للمواطن إلى مستوى الطموح الذي ننشده، ولا أجد حرجاً في قول ذلك ليقيني بأن المواطن السعودي حقق نمواً وتطوراً في الوعي والتحضر بشكل يوازي وأحيانا يفوق من حوله، لكن هذا لا يعني أن لا نتلمس الأفضل والأحسن خاصة مع توفر الإمكانيات والرغبة.

إن النمو التحضري الذي يختص الإنسان في عقله ووعيه هو بمثابة الأرضية للنمو المعرفي والإنتاجي، وهو القادر على تحقيق النمو المدني والعمراني والاقتصادي وليس العكس، وإن لم يغب ذلك عن راسم وصانع الخطط التنموية الخماسية، غير أني أعتقد وقد أكون مخطئا أن الأمر كان يحتاج اهتماما وتركيزا أكبر وأعمق، من خلال جدولة وفهرسة للمسار والتقدم، وعندما يظهر لي بعد أربعين عاما ونتاج ثمان خطط تنموية مسؤول حكومي ليقول إن مخرجات التعليم لا تتماشى وحاجة السوق المهنية والوظيفية فإن هذا يعني أن مسار التعليم لم يجدول ويفهرس ليواكب الحاجة والطموح بل اعتمد التأسيس والإنشاء، لهذا صرنا نرى المدن الجامعية التي يقل نظيرها في دول متقدمة في البناء والإنشاء ولكن لا نرى فيها على الأقل درجة التقدم والتطور العلمي والبحثي، والأمر كذلك في المواصلات والصحة وغيرها، ترى تقدماً ونمواً عمرانياً باهراً ولا ترى خدمات تتناسب وعظمة البناء.

واليوم ونحن نواجه مشاكل وقضايا عديدة في قصور بعض الخدمات وظهور البطالة وشح المساكن وغيرها، ويراها البعض طبيعية وتأتي نتيجة النمو التراكمي - وهذا في اعتقادي صحيح - فإننا متى نظرنا لها على قاعدة النسب والتناسب فسنرى أن الأمر يحتاج لفصل بين الطبيعي والنمو التراكمي، نعم من الطبيعي أن تظهر مثل هذه المشاكل والقضايا، فهذه طبيعة الحركة التي تنتج وتفرز، لكن النمو التراكمي ليس طبيعيا، النمو التراكمي الذي نراه هو نتيجة تركيز الاهتمام بالنمو المدني على حساب النمو التحضري، ولتيسير الأمر وتوضيحه فيمكن القول إن لدينا الطرق والشوارع الفسيحة التي تجوبها المركبات الحديثة ومن أفضل مصانع السيارات ولدينا شرطة للسير تستخدم أرقى التقنيات لمراقبة الطرق وحركة السير ومع هذا نرى تخلفاً مخجلاً في ثقافة السير، حتى أصبح وضع القوالب الخراسانية ورفع الأرصفة من وسائل ضبط الحركة، بل وحتى الدوارات التي تلتقي عليها الطرق يتم وضع إشارات مرورية لعجز قائدي المركبات عن فهم حق الأفضلية في المسار مما يخلق الاختناقات المرورية رغم اتساع الطرق والميادين، هذه فقط صورة أو مثال بسيط لتخلف مسار الوعي عن مسار التمدن.

إن البناء التنموي لتحضر الإنسان في وعيه ومعرفته يحتاج بداية لتأكيد حقوقه وحمايتها بالنظم والقوانين، ليستشعر قيمته ويستحثه ذلك على أداء واجباته بصدق وإخلاص، وهذا لا يتم إلا من خلال تصحيح وإصلاح الثقافة الحقوقية وتفعيل الوعي في الحس الوطني، عن طريق إشراك هذا الإنسان في التفاعل الحقيقي مع حراك النمو والبناء، فإن الإنسان متى أدرك وعى ومتى وعى فقد وضع قدمه على مسار التحضر.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni

العلاقة بين الإنسان والأشياء في النمو والتنمية
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة