عبر ندوة الجزيرة التي كان ضيوفها وزير الخدمة المدنية الدكتور عبدالرحمن البراك ووكلاء الوزارة ومدير عام معهد الإدارة؛ لم يخفِ الوزير حماسه وتوقده وتطلعه بتفاؤل لوزارته بعد تعيينه مؤخرا واستلامه حقيبتها المهترئة والمتهالكة بقرارات وبنود عفى عليها الزمن وتجاوزها قطار التقدم! حيث لا زال يحمل شعارها الآية الكريمة (إن خير من استأجرت القوي الأمين) ولو استبدلوها بشعار جديد يحمل كامل الآية العظيمة (اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم) لكان أنسب، للاختلاف الزمني والفكري بين مفهوم الاستئجار مع الضعف، والتمكين مع الثقة، حيث لم يكن الموظف آنذاك يملك الكفاءة والمهارة التي يتمتع بها الموظف حاليا!
وبرغم حالات المخاض التي مرت بها الوزارة منذ كان مسماها (ديوان المأمورين والعوائد المقررة) وحتى وصولها لمسمى وزارة مرورا بـ(نظام الموظفين العام) ثم (ديوان الموظفين والتقاعد) وانتقالا إلى (الديوان العام للخدمة المدنية) إلا أن المضمون لم يتغير!
ومن خلال ندوة الجزيرة وما سمعته من الوزير ومرافقيه؛ فإني أكاد أشبّه وزارة الخدمة المدنية بحافلة كبيرة تقل عددا من الركاب، وتنتهي علاقتها بهم من لحظة مغادرتهم مقاعدها، حيث يتقدم المواطن السعودي للخدمة المدنية بشهاداته وينتظر دوره حتى يتم توجيهه موظفا بإحدى الوزارات، وتتوقف خدماتها عند هذا الدور! وبعدها يواجه الموظف قدره عند وزارته بمباركة مديره المباشر! حيث يختلف وضع كل واحد ومكانته مع زملائه بنفس شهادته وكفاءته من وزارة لأخرى، بمعنى إما أن يُكرم بدورات تصقل مهاراته وترقيات تقدّر كفاءاته وجهوده أو يهان بسبب أهواء مديره أو محسوبيته!
وهكذا يُطمر موظف تحت أنقاض النسيان الوظيفي حينما لا يلقى من يقدِّر كفاءته أو يثمن إنجازاته طالما قاده نصيبه أو تم توجيهه لإدارة ذات مدير متسيب أو معتمد في تقييمه لموظفيه على الشللية، فيبقى بعض الموظفين المخلصين مركونين في وظائفهم دون ترقية أو تقدير!
ولا تعجب حينما تسمع أو ترى موظفا بقي في مرتبته الوظيفية ووصل حتى آخر درجاتها الخمس عشرة ثم توقفت علاوته السنوية، ولا تكاد تسمع له همسا!
وكان سؤالي للوزير الذي لم تشفني إجابته هو عن مدى إمكانية اعتماد سلم للموظفين ليكون شبيها بسلم المعلمين المعتمد على المستويات والدرجات الممتدة والقائم على الشهادة بحيث لا يتساوى مَن حصل على مؤهلات عليا مع آخر يحمل شهادة وسطى، ثم بفضل الترقيات السريعة تجده بمراتب عليا يفوق الحائز على مؤهل أعلى منه! وهذا هو الحاصل حاليا بحسب هيكلة الوزارة!
ولازال المفهوم القديم للعمل الحكومي أنه استقرار وظيفي وضمان اجتماعي، فترى الشباب يتوقون للعمل والانخراط فيه، وتتطلع له أفئدتهم كي يمارسوا الركون والدعة والتسيب والغياب والتأخر في الحضور وضياع معاملات المراجعين دون تهديد بفصل أو وعيد بحسم!
فمتى يتغير ذلك المفهوم المتجذر في النفوس ويتحول مفهوم الخدمة المدنية إلى طاقة تخفق بالعطاء وتنبض بالحياة وتحقق النمو والتطور الحضاري؟!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny