الرياض - خاص بـ (الجزيرة):
أكد داعيتان أن محاربة الشحاذة وظاهرة التسول مسؤولية المجتمع، محذرين من التكاسل والتباطؤ في طلب الرزق والعمل والجد والاجتهاد، وقالوا إن رحمة الله واسعة ومجالات العمل متعددة وعلى المسلم أن يبحث عن العمل الذي يستطيع القيام به ويناسب مؤهلاته، وأضافا أن التعطل والبطالة ليستا من سمات الإسلام، وسؤال الناس ذلة وينال من عزة وكرامة المسلم. جاء ذلك في تناول الشيخ بدر بن طامي العتيبي مدير الدعوة بالطائف، والشيخ سامي المغلوث إمام وخطيب جامع المغلوث بالطائف.
طلب الرزق
بداية يوضح الشيخ بدر بن علي العتيبي مدير مركز الدعوة والإرشاد بالطائف أن من أصول التوحيد في المقاصد طلب الرزق من الله، لقول الله تعالى: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ} (17) سورة العنكبوت، ويقول: {وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} (10) سورة الجمعة، وهذا يدل على البذل والسعي لطلب الرزق، ومن صدق التوحيد لله تعالى الإيمان بأن الله تعالى هو الرزاق العليم بشؤون الخلق، وأبواب رزق الله تعالى واسعة، ونادى عباده لطلب الرزق، والسعي في البحث عنه، وهذا من صدق التوكل على الله تعالى، الذي يرزقنا كما يرزق الطير تذهب خماصاً جائعة وتعود بطاناً شبعة، ودين الإسلام دين عظيم يحث على الطلب، ويرفع الإنسان عن الذلة والمهانة في طلب الرزق، فهو دين عزة النفس، ودين الكياسة والقوة، ولذا ذم النبي صلى الله عليه وسلم سؤال الناس، والتذلل لهم بين العطاء والمنع، ودلهم على عزة النفس، وطلب العيش بعرق الجبين ولو أن يأخذ حبلاً لا يكلفه شيئاً، وفأساً، ويحتطب، ويبيعه للناس، وما من نبي إلا وطلب المال بكسب يده، ما بين راعي غنم، وأجير، ونجار ونحو ذلك.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده) رواه البخاري.
فالعطالة ليست من الإسلام في شيء، وسؤال الناس ليس من سمات المسلم عزيز النفس، ونحن ولله الحمد والمنة في بلادنا المباركة نرى ظاهرة غريبة تتزايد يوماً بعد يوم، وهي: (ذم البطالة) وإلقاء اللائمة كلّ اللائمة على الدولة! بينما فرص العمل في المجتمع السعودي كثيرة وكثيرة جدا ولو اعتبر الناس بعضها ممتهنة دنية، ولا دناءة فيها، بل الدناءة كل الدناءة في الذلة للناس، والميل للكسل والخمول والعالة على الغير، وهذه البلاد تتوافد إليها ملايين العمالة الوافدة، تدخل بلادنا خماصاً، ويعودون إلى بلدانهم بطاناً من المال والثروات، ولولا ضيق الوقت لضربت على ذلك الأمثلة العديدة من الأعمال التي تتجه إليها العمالة الوافدة، وأبناؤنا أحق بها، وأولى في التنافس فيها، وخدمة الوطن في أمانة وصدق.
والمال في يد العبد الصالح عزة ورفعة، ويقول بعض السلف: (لولا المال لتمندل بنا الناس) أي جعلونا كالمناديل، وأهانونا وأذلونا.
ولا يستهين المسلم بباب الرزق فالأقدار والأرزاق بيد الله، فقد يستهين بباب رزق ويأتيه منه الخير الكثير، ومن جميل ما يذكر في الإيمان بالقدر، سعي موسى عليه السلام، حيث ذهب ليطلب شهاباً من نار فرجع بشرف النبوة!!
فليطلب المسلم الرزق، وليجتهد، فهو على خير ورباط وأجرٍ بإذن الله تعالى.
ظاهرة التسول
ويقول الشيخ. سامي بن عبد الله المغلوث إمام وخطيب جامع المغلوث في الأحساء بالمبرز: إن ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية السلبية الضارة التي تعاني منها معظم المجتمعات على مختلف مستوياتها الحضارية، وكإفراز للمعطيات الحضارية شهد المجتمع السعودي نوعًا من هذه الظواهر السلبية المقيتة؛ وجب عندها الحد منها أو القضاء عليها، ونظرًا لتزايد حجم هذه الظاهرة وتفاقمها في الآونة الأخيرة، تم تشكيل فريق لمعرفة سبل مكافحة هذا الداء العضال، الذي تفشى في الطرقات والمجمّعات والمساجد وعلى الأرصفة وفي كل مكان يجد المتسول له فرصة فيه، حيث توصلت دراسة علمية حديثة عن ظاهرة التسول، دعمتها «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية»، إلى أن هناك ارتفاعًا مضطرداً وملحوظاً في أعداد المتسولين من غير السعوديين داخل مجتمعنا السعودي! وأن الغالبية العظمى منهم تم القبض عليهم في كل من جدة ومكة المكرمة والرياض على التوالي. وكانت هذه الدراسة قد أظهرت: أن الغالبية العظمى من أولئك المتسولين ينتمون إلى جنسيتين عربيتين وأن جلّهم قدموا إلى المملكة عن طريق التسلل، أو بسبب التخلف بعد أداء العمرة.
ولاشك أن تنامي مثل هذه الظاهرة السلبية الخطيرة؛ ظاهرة (امتهان الشحاذة و مدُّ اليد للناس من غير حاجةٍ ضروريةٍ) لهو أمر غاية في الأهمية؛ فالمجتمع المسلم يُربي على منظومة متكاملة من القيم والمبادئ والأخلاق والتي تدعوه إلى العزة والكرامة والأنفة.. من بينها عدم السؤال من الناس، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة:273). لذا.. فظاهرة التسول تهبط بالمسلم إلى درجة غير محمودة؛ قائمة على عدم المروءة والكرامة لما في ذلك الفعل من احتمال الكذب، والخداع، والتحايل؛ الأمر الذي يُسقط مروءة الإنسان وهيبته، ويُذهب ماء وجهه في الدنيا ولحمه في الآخرة؛ فقد روي عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزالُ المسألةُ بأحدكم حتى يلقى اللهَ، وليس في وجْهِهِ مُزْعَةُ لحمٍ» (مسلم). وفي هذا المعنى يقول الناظم:
وما شيءٌ إذا فكَّرت فيه
بأَذهب للمروءةِ والجمالِ
من الكذب الذي لا خير فيه
وأبعد بالبهاءِ من الرجالِ
ففي المجمل: فإن ظاهرة التسول ظاهرة مقيتة، وسؤال الناس في أصله محرم شرعًا بل نهى عنه الشارع الحكيم إلا لضرورة وحاجة كما ذكرنا في الحديث السابق، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيتصدق به على الناس: خيرٌ له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه) رواه البخاري ومسلم. فسياق الحديث واضح بيَّن أن الإسلام حث على العمل ودعا إليه ورغّب فيه، فلا حاجة للمسلم السليم المعافى أن يطلب السؤال، ويهدر كرامته!
إننا بحاجة ماسة لعلاج ناجع لهذه الظاهرة الخطيرة؛ كتجفيف منابعها من خلال خطوات إجرائية تقوم على تحقيق ذلك من أهمها: محاربة الفقر، والتصدي للبطالة، وردع المتسللين، وتوعية المجتمع بعدم التعاطف مع هؤلاء المتسولين لما يترتب على ذلك من ظواهر سلبية. حيث أكدت الدراسة السابقة: أن من ضمن أسباب انتشار هذه الظاهرة تعاطف أفراد المجتمع مع حالة المتسول وعدم وجود رادع قوي يمنعه. فضلاً عن كثرة المتخلفين من العمالة الوافدة وتعدد الجهات المسؤولة عن ذلك. لذا لابد من نشر الوعي الديني للحض على العمل، فالإسلام في مواضع شتى يحث على العمل، قال تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة 105)، وكذلك السنة النبوية قال صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعامًا قط، خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» رواه البخاري.
ومن أجل تحقيق آلية سليمة للقضاء على هذه الظاهرة السلبية يجب تغليظ العقوبات على المتسولين، ومن يتكرر القبض عليه بهذه التهمة السلبية؛ فلا بد أن تكون العقوبة عليه أكثر غلظة ممن يتم القبض عليهم لأول مرة. لأنها تمثل مرضاً خطيراً يصيب جسد الوطن، لتختفي هذه الظاهرة السلبية وهذا الوباء الخطير من مجتمعنا السعودي النبيل.