يبدو أنّ دينامية الشعوب وانتفاضاتها فرضتْ تحريراً للفكر لتحليل ما يشهده الوطن العربي من عناصر مفاجئة لأحداثٍ متلاحقة.. وتطورات متسارعة يصعبُ التكهن بما ستسفرُ عنه من نتائج.. أو إلى أي منعطفٍ سيأخذه مسار هذه الأحداث المتتالية وهو لا يزال في صلب مخاض من واقع ثورات لم تنته بعد.
إذا ما نظرنا للوطن العربي ككل.. نلحظ أن النظرية الموسعة للتحديث تعجز عن تفسير طبيعة مدى العجز العربي المتواصل في ميادين الديمقراطية والحريات..
وهنا بالذات تقف التجربة العربية في تعارض مع تجارب بلدان عديدة في العالم، حيث الترابط الإيجابي بين كل مناحي الحياة وعملية الديمقراطية التي تنتهجها تلك البلدان.. بينما نجده منتفياً في بلدان الوطن العربي . وككل حدثٍ تاريخي وباعتبارهما أسرع ثورتين في دحرجة الأنظمة المتسيّدة والمتربّعة منذ عقود على كرسي الحكم، قدمت لنا الثورتان المصرية والتونسية ظاهرة متعددة الأبعاد ومتراكبة الوجوه لا يمكن فهمُها باختزالها في بعدٍ واحد أو قراءتها من وجهة معيّنة، هي ظاهرة تمثل قاسماً مشتركاً بين هاتين الدولتين ارتبطت بشكلٍ مباشر بواقع ازدياد وتمدد نفوذ التيارات الإسلامية بعد سقوط الأنظمة السابقة.. ثم وصولها إلى سدّة الحكم.. كجماعة الإخوان في مصر.. وحركة النهضة في تونس أو ما يطلق عليه [الترويكا]، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لإشكالية علاقة تباينية متوترة بينها وبين التيارات المدنية المتعدّدة، ليبدأ سير الأحداث ينحو منحى آخر بزيادة الخلافات واتساع هوّة الصراع بين التيارين الإسلامي المتمثل في جماعة الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس والتيارات المدنية.. وبتفاقم الخلاف أخذ الصراع طابعاً تصادمياً دموياً يحصد الأرواح في سادية غريبة ليصل إلى حد الاغتيالات السياسية.. تنافس.. صراع.. واغتيال.. يتركز على شكل الحكم ومضامين الحرية، أكثر مما يتركزعلى القضايا الحياتية للشعوب الحاضنة والمغذية الرئيسية لثورات التغيير.
وبعيداً عن دوائر الأطر الإيديولوجية والسياسية، فما تشهده ميادين مصر وتونس يثبت عكس مضمون طموح ورغبة شعبين عاشا حالة زهو بسقوط رؤوس أنظمتهما المستبدة، إلا أن الأمل بفتح أبواب مستقبل مشرق لهذين الشعبين يحاصره غموض مشوب بقلق، وكأنما دينامية الثورات التي استفاقت بعد سبات، ككرة ثلج تتدحرج في ميادين التباين والعنف والصراع ما بين التيارات المختلفة، والضحية هي الشعوب التي لم تعد تملك من الأمر.. إلا انقسامات تتصارع فيما بينها انحيازاً ودعماً لهذا الفصيل أو ذاك .
صحيح أن التيارات الإسلامية وجماعة الإخوان هما من أكبر المستفيدين من سقوط الأنظمة البالية، كونها كانت في حالة إقصاء وتهميش وحجب لشرعيتها في ظل الأنظمة السابقة.. فجماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت جماعة محظورة منذ عام 1954م.. وأما حركة النهضة التونسية [الترويكا] لم تكن تحظى باعتراف من الدولة التونسية، وقد فُرِضت عليها قيود منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، فجاءت الثورات العربية وجاءت معها عملية إنهاء الإقصاء والتهميش لجماعة الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس.. وحصدت هاتان الجماعتان الثمرة الأولى للثورة وهي الوصول إلى هرم السلطة.. لكنها فقدت الزخم الثوري لأنها لم تكن على مستوى توقعات وطموحات وآمال انتفاضة شعبيْ مصر وتونس.
الخلاصة.. تجربة الانتفاضات العربية أفرزت سلسلة من الصراعات السياسية، كانت بداية لثورات أخرى تسلك طريق المد والجزر في صيرورة متتابعة تصل إلى حد الاغتيال السياسي، كما حدث في تونس.
zakia-hj1@hotmail.comTwitter @2zakia