كفجر اليوم تماما غادرني وجهُكِ..
كأنما لملمَ وضحَ النهار في إهابه، وتوارى..
بَعدكِ كان كل شيء يصمت.. وتتحدث المشاعر وحدها..
فَقدتْ أصواتُ الصوتِ..والكلام، والرفقةِ، حديثَها.. وخرست في غيابكِ..
حتى الموت ما عاد له دفق الدمع..، ولا حرقة الانتزاع..، ولا حسرة الوحدة..،!
كنتِ فرحةَ العينِ..، ودفءَ القربِ..، وشوقَ الحنين..
الصباح الذي لا ينزل فيه صوتُكِ في مجاري العروق..، ومسامات السمع..، وشغاف القلبِ..
تتلقفه اللهفةُ، ولا يُمسي الوقتُ إلا بكِ..
ذهبتِ في مثل هذا اليومِ نوارة..
كان أربعاء، كان الثالث من ربيع الثاني..تما كما اليوم..
ضمكِ رمثٌ رحيمٌ به..، كنفُ كفٍّ وسيعة منه..، جوفُ روضة جنائنية بعفوه.. تعالى تعالى..
قلتِ في المنام قبلا، وأنتِ ترقدين بهيةً في ملكوتِ صمتك شهرا: سأذهب لبيتي في الثالث من الشهر..!
وما كنتُ أدري أنكِ ستذهبين حقا في اليوم ذاته..
ما كنتُ أريدكِ أن تتركيني في هبوب غربةٍ، وصمتٍ طال بي حتى اليوم يا نوارة..
في كلِّ ثالث من ربيع الثاني أفضي إليكِ بكل ما خزَّنتُه وأنت فيه..،
هناك قبرك المتشحُ بندى الدعاء، ورحيق الشوق..
وأنتِ فيه..!
أن يكون اليوم لكِ يا نوَّارة، فإنكِ تأتين..، ويأتيني الكلام لكِ، وعنكِ..
تنهض اليوم كلُّ الأيام التي مضت دونكِ، لتسكب فيَّ صوتَ الكلام، وبوحَ الصوتِ...
وتزدحم بي كلُّ الذكريات يا أمي..!
بعدكِ ما كبرت الأفراحُ.. ولا توهجت السعادةُ...، ولا جاءت تزورني طيوفُ الوفاءِ...
بقيت في انتظار كل الذي ذهبَ معكِ..
وفرحتُ كثيرا لأنكِ فقط غبتِ عن كلِّ ما دكنت به الحياةُ من بعدَكِ..!
إذ كنتِ ستكونين أعمقَ صمتا، وأشد أزراً..، وأوسعَ حكمة..
لذا ارتديتُ صمتكِ، وشددتُ أزري، واحتملتُ غيابكِ..!
حين تكونين نوارة على منصة البوحِ..، سيدةَ الحرف..فلأنكِ لست المرأةَ التي عبرت بالحياة عبورا..
أنتِ مليكةُ الحكمة، ونبعُ المُثُلِ..، وبحرُ الخُلقِ..، وسيدةُ المواقفِ..،
أنتِ عضدٌ لكلِّ أحبائكِ ما فتَّت في بِناه كؤدات دروبهم..
تمدين بشعاعكِ، يأتي ينسربُ بهدوء في خفيةٍ منكِ في عروقهم..
كيف لكِ يا قدوة الأمهات..، ويا رمز المحاضن، ويا روافد الوعي..، ويا أنموذج الفضيلة، ويا مشكاة الإيمان أن تُنسي..؟
حضوركِ بهيٌ مع الحنين..
ذكراكِ تتدفق لتوقظ معالمَ الدروبِ..
تحضرين اليوم في حضور غيابكِ، لتمنحينا كلنا الشغوفين بذكراكِ، فرصة اللقاء المجدد بكِ..
فتعود لنا أصواتنا..
كما عادت ليلة الأمس.. نتخاطف فيها تاريخ اليوم، ويوم الأسبوع الذي يعود إلينا بكِ
في مهابة اليقين، بيقين الإيمان في حكمة غيابكِ..
ونبتهل لله.. طويلا..
قري يا نوَّارة عينا،..
فالحياة ليست جميلة كما التي كانت بكِ..
لكنها تتجمل بذكراكِ
رحمك الله مليكة الروحِ..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855