الحديث عن الإبداع في فن الإدارة من الأشياء المحببة للنفس البشرية بسبب ما تعود به من ثمرات إيجابية ونتائج مرجوة في محيطها، ولو أردنا الحديث عن هذا الموضوع لاحتجنا إلى موضوع مطول لاستقصاء جوانبه الإيجابية، إلا أنني في هذه العجالة سأتحدث بشكل موجز عن فن الإدارة المدرسية بشكل خاص؛ حيث تحتل العلاقات الإنسانية عنصراً أساسياً لنجاحها، وعاملاً ضرورياً لإنجاح المجموعة وتعاونها في تحقيق أهدافها المرجوة. والقائد التربوي الناجح في إدارته المدرسية هو الذي يستطيع بعد - توفيق الله وكرمه - أن يبني علاقات إنسانيَّة سليمة ترتكز على تدعيم ثقة كل فرد بنفسة واحترام مشاعر الآخرين بالقول والفعل، وإيجاد جو من الطمأنينة النفسية نابعة من تفهمه لقدرات هؤلاء العاملين معه وطاقاتهم وظروفهم في سبيل حفزهم على أداء العمل التربوي كأسرة واحدة تسعى بكل ما أعطيت من قوة ونشاط وهمة وحيوية وطاقة لتحقيق أهداف تربوية جسام في جو يسوده التعاون والتآلف والتكاتف والتآخي والترابط والتفاهم.
فالقائد التربوي المتمكن هو من يغرس عامل الجد والاجتهاد والمثابرة في نفوس العاملين معه؛ وذلك من أجل مضاعفة رفع العملية التعليمية والتربوية إلى بر الأمان.
فهو يبذل جهوداً ملموسة ومتميزة على السّاحة التّربوية، فالقائد التربوي المتألق يختلف في نشاطه العقلي أو الفكري قوة وضعفاً وفهماً ووعياً وقدرة واستيعاباً، ويتجلى هذا التفاوت في طريقة تعامله المباشر وغير المباشر مع الآخرين من حوله في أقواله وأفعاله وأعماله وآرائه النيرة التي تبني إيجابياته في صور مشرقة وفي حدود المعقول في دائرة العمل التربوي التي يختزنها العقل والوجدان في محيطه الطبيعي التربوي، والتحلي بسمات القائد التربوي الناجح الذي يحرص كل الحرص على رقي وتقدم وتطور هذه الناشئة، فالمطلوب هو غرس الفسيلة ومنع خرق السفينة، والسعي للحفاظ على أداء العمل التربوي بكل أريحية وشفافية مع استثماره في النهوض بالعمليّة التّعليميّة على أحسن صورة وأكمل وجه؛ ما يدل دلالة واضحة على الإبداع العلمي والخبرة الواسعة في تخطيط البناء وجودة الصّنعة والإتقان. فإذا كانت الثّقة في النفس مبنية على حقائق واضحة وصحيحة نجد العمل واضحاً وبارزاً على السطح بأصول تربوية عالية، فالقائد التّربوي النّاجح هو من يصنع سعادة في المكان الذي يعمل فيه، ويزرع أنواع الزهور والورود كافة من حوله، ويحاول بشتى الوسائل المتاحة لديه مقاومة الصّعاب كافَّة التي تقف أمام طريقه بمبدأ الشّورى؛ فعلى سبيل المثال عندما يعقد لقاءً تربوياً أو يتخذ قراراً إدارياً داخلياً أو تعميماً عاماً لا يكون ذلك إلا بعد استشارة أهل الرأي والمشورة والخبرة الذين من حوله مستنداً إلى قول الله - عز وجل - {وشاورهم في الأمر}. والمشاورة لها أثر بالغ وكبير على النفس البشرية، يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله -: نبي الأمة يشاور أصحابه ليطيب بذلك قلوبهم، وكان حريصاً كل الحرص على ترسيخ الجانب التربوي داخل المنشأة التعليمية مطبقاً التوجيه النبوي الشريف «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته..»، والتربية بشكل عام هي أساس الدعّوة ولبها وهدفها .
فكان مستنداً في أعماله كافة على قول الإمام الشافعي:
تغمَّدني بنصحك في انفراد
وجنبني النّصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التَّوبيخ لا أرضى استماعه
فإن من أفضل الأقوال النافعة علم التوّجيه والإرشاد الحضاري، ومن حاز شروطه وجميع أصوله وأتقن أساليبه فقد أوتي خيراً كثيراً، ونال فضلاً عظيماً، وأي خير أجدى وأنفع من أن يتحول المرء إلى موجّه أو مرشد أو داعٍ، يدعو إخوانه إلى الخير، ويحثهم على البر والإحسان والعمل الصالح، فإن البحث عن الشخصيات التربوية الراقية الناجحة في أداء عملها كالغواص الذي يبحث عن أنواع الدرر النفسية والمعادن الثمينة في أعمق أعماق البحار بواسطة الغواص الماهر المحترف المتمكن من حصول هذه الجواهر الغالية، ومجتمعنا - ولله الحمد والمنّة - لا يخلو من هؤلاء الرجال المتميزين.
ولا شك أن الحقيقة التي كتبتها عبر هذه الأسطر القليلة الفائتة كما رأيتها ولمستها ولمسها غيري تعبر عن وجهة نظري الحقيقية المستندة إلى المعايير الأدبية والعلمية والتاريخية التي تعلمتها ودرستها سابقاً؛ حيث إنني أعتاد دائماً على أن أخلع عني كل المؤثرات التي من شأنها أن تجردني من حيادي وأنا أدلو بدلوي المتواضع.
والله الموفق والمعين.