لعل مما تميزت به صحيفة الجزيرة عن غيرها هي تلك اللقاءات المفتوحة، والجادّة، مع وزراء ومساعدين لهم، في وزارات خدمية، يتم من خلالها الكشف عن خبايا مهمة في هذه القطاعات، والإجابة عن كثير من الأسئلة المعلَّقة، وإن كنت أتمنى أن تعلن الصحيفة عن ضيفها في اليوم ذاته، عبر حسابها في موقع (تويتر) لتتلقى أسئلة المواطنين، ومن ثم فرزها، واختيار أهم هذه الأسئلة لطرحها على المسؤول، بدلاً من اجتهاداتنا نحن ككتاب رأي عام!
ولقد تشرفت ضمن كوكبة الزملاء الكتّاب مؤخراً، بلقاء وزير الإسكان، وهو كما نعرف يقود وزارة جديدة، تتولى أهم تحديات الدولة في حل أزمة الإسكان التي يعاني منها المواطن، لأسباب كثيرة لا تتسع هذه الزاوية لها، ولكن ما يهم هنا، هو أن الوزارة قامت بخطوات جيدة، حتى وإن تأخرت في التنفيذ، حيث كرر الوزير أكثر من مرة، أن مشكلتهم الوحيدة هي كسب التحدي مع الوقت، ومن بين الخطوات التي قطعتها الوزارة هي توزيع الـ 500 ألف وحدة سكنية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين، بين المناطق والمدن والمحافظات، فكان نصيب الرياض في المرتبة الثانية بعد مكة المكرمة، هو ما يقارب 101 ألف وحدة سكنية، وذلك التوزيع تم اعتماده بعد أخذ عدد من الاعتبارات متعلقة بعدد السكان ومعدل النمو السكاني ونسبة البيوت المستأجرة...إلخ، ولا خلاف على آلية التوزيع المستخدمة، لكن المؤرق -في نظري- هو أنه بالكاد تم التوصل إلى أرض مناسبة في الرياض، هي في منطقة النرجس غرب المطار، وهي جزء من المطار مساحته خمسة ملايين متر مربع، وسينفذ عليها ما يقارب 7200 وحدة سكنية.
ما يثير أسئلتي هو أن هذا العدد من الوحدات لا يشكّل أكثر من 7% فقط من العدد الإجمالي المنتظر تنفيذه، وهو 101 ألف وحدة سكنية، ورغم أن هذه الـ 7200 وحدة لا تشكل سوى هذه النسبة الضئيلة، إلا أنها احتلت مساحة خمسة ملايين متر مربع من مدينة الرياض، فهل يعني تنفيذ كل الوحدات المنتظرة يحتاج إلى أرض ضخمة بحجم مدينة الرياض بكاملها، وإلى عشرات السنين؟ وهل تنفيذ هذا العدد الضخم من الوحدات كلها، أعني الخمسمائة ألف وحدة سكنية، يعني أننا سننشئ مدناً جديدة؟
من هنا أختلف مع الوزير، في أن التحدي ليس في الوقت فحسب، بل حتى في الأراضي المناسبة لتنفيذ هذه الوحدات، وعملية تأهيل الأراضي الخام كي تصبح جاهزة لبناء الأحياء الجديدة، بكل منافعها الخدمية من مستوصفات ومدارس وخلافه.
أعتقد أن هذه الوزارة الناشئة، بعدد موظفيها القليل (267موظفاً)، التي تتولى مهمة البحث عن حلول عاجلة لإسكان مواطنين في 118 موقعاً، تتراوح بين مناطق ومدن ومحافظات، في مملكة شاسعة، تفتقد لأراضٍ مؤهلة للبناء، هو أمر صعب، إن لم يكن شبه مستحيل، رغم أن الإرادة والتحدي والطموح التي لمحتها على ملامح الوزير ومساعديه في الوزارة، تنبئ إلى أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، ويبحثون عن حلول عاجلة لكل المعوقات التي تعترضهم، حتى وإن طالت الرحلة... فقلوبنا معهم في رحلة الألف ميل.