لا أسأل فقط لأننا انتهينا من موسم الاختبارات مؤخراً، بل الشخص يحتاج أن يعرف طرق المذاكرة والدراسة مهما كان عمره ولو لم يكن طالباً، فلا تخلو الحياة من ظروف تدعو لتعَلُّم شيء ما ومحاولة حفظه، وأفادنا كتاب «قواعد المخ» للعالم جون مدينا بمعلومات قيّمة عن هذا، فينصح أن تبدأ بالفكرة الأساسية بشكلٍ عام أولاً ثم ادخل في التفاصيل بتدرج. هذا سيزيد نسبة الاستيعاب 40% حسب ما وجدته الأبحاث. ولا تعتمد فقط على استماعك للمحاضرة أو الدرس، ذلك أنه كان العالم النفسي الألماني هيرمان ابنغهاوس مُركّزاً على مجال الذاكرة وعمل فيه كثيراً في القرن التاسع عشر ونشر عام 1885م كتاباً أحدث أثراً كبيراً في هذا الحقل، وأظهرت تجاربه أن أي شيء نتعلمه في الحصة فإننا ننسى منه 90% خلال شهر، والتجارب الحديثة أكّدت هذا وأظهرت أن نسيان الدرس يبدأ بعد ساعات فقط من الانتهاء منه، فلا مفر من ترسيخ المعلومات بعادات التعلّم السليمة.
لاحظ العلماء خاصيتين مشتركتين في عملية تخزين الذاكرة، أولاهما أنه كلما كانت عملية تخزين الذاكرة أكثر تفصيلاً وتوسعاً كانت الذاكرة أقوى. تستطيع تطبيق هذه التجربة على أي من معارفك: أعطهم قائمة من الكلمات مثل: تفاحة، أخضر، طائرة، محيط، صفر، قفز، طويل، ضحكة، سرعة. اقسم الناس إلى اثنين واطلب من الشخص الأول أن ينظر للكلمات ويبحث عن الحروف التي تحوي الأشكال الدائرية (كالطاء مثلاً)، أما الشخص الثاني فاجعله يتأمل الكلمات ويقيّمها على مقياس من 1 إلى 10 إذا كانت الكلمة تعجبه بناء على ذكرياته معها. اسحب الورقة وبعد عدة دقائق اطلب من كليهما أن يحاول تذكر الكلمات.
ستجد أن الثاني يتذكر كلمات أكثر وأما الأول فأقل، لأن مجرد النظر للأشكال لا يكفي، بل يجب ربط الكلمة بذكرى أو صورة (الخ) لترسخ بقوة.
وأما الخاصية الثانية فهي أن العقل لا يسجل الذكرى فقط بل حتى الظروف التي سُجِّلَت فيها الذكرى.
إذا كنتَ حزيناً وسجّل عقلك معلومة ونسيتها فإنك ستكون أقدر على تذكرها لو حصل لك شيء يجعلك حزيناً. كذلك لو أتت الذكرى في مكان ما (المطبخ مثلاً) ولم تستطع تذكرها فإن عودتك لنفس المكان ستزيد قدرتك على التذكر.
وأخيراً يجدر التنبيه إلى أنه يجب معرفة معنى الشيء المراد تخزينه، فحفظ الشيء بلا فهم لا ينفع وهذه تقع على عاتق المدرّس، وعلى الشارح الاستعانة بالأمثلة لأن التجارب أظهرت أنها فعالة في ترسيخ المعاني. طلبوا من أناس أن يقرأوا عدة صفحات عن دولة وهمية، قسم لا يقرأ إلا معلومات جافة والثاني لديهم مثال واحد والقسم الثالث لديهم عدة أمثلة، فكان القسم الأخير فهموا واسترجعوا معلومات أكثر، والثاني أقل قليلاً، وأسوأهم في الاسترجاع هو القسم الأول من المتطوعين الذين قرأوا معلومات باردة بلا أمثلة، والسبب أن العقل يعشق مطابقة الأشياء، فإذا كان هناك شيء راسخ أصلاً في العقل فإن التقريب إليه باستخدام الأمثلة يجعل الفكرة الجديدة ترسخ.
@i_alammar