الوعي والتخلف.. هذان المفهومان الواقفان أحدهما قبالة الآخر..
التخلف باعتباره نزوحا إلى الميتافيزيقيا على حساب الواقع، والإنخطاف بالخرافة والوهم الذي يُعطل كل مبادرات الوعي والإشراق بالحقيقة. هل هو متفش في مجتمعاتنا؟ هل يمكننا أن نعتبر مجتمعنا مجتمعاً متخلفاً؟
عندما أقول متخلفاً قد يتبادر «الجهل» للذهن رغم أن الاثنين مختلفان.
فالجهل ضد العلم وليس ضد الوعي. مما يفسر لنا اجتماع التخلف والعلم والثقافة أيضاً في نسيج واحد. لأن الوعي حالة انعتاق من كل ما من شأنه أن يشوش التبصّر بعيوب المُعتقد. وتلك الحالة - أعني الوعي - لا يمكن أن تنشأ في أرضية تعمقت فيها الخرافة والوهم. فالذهنية المتخلفة ترتكز على التبعية العمياء والانسحاق تحت عجلة المرجعيات والمسلمات، هذا ما يهبها تلك الجاهزية لتصديق الخرافة. لأن العقل يكون مسروقاً بالكامل ومعطلا عن اكتشاف العلل والأسباب والعيوب في النظام أو الفكرة.
والتخلف حالة عامة تتمدد في أطراف المجتمع كالإخطبوط، تتوارثها الأجيال بصورة محكمة، كصندوق مغلق يرثه كل جيل عن جيل يسبقه دون أن يفكر أحد بأن يستكشف الداخل. بينما الوعي هو تلك الإرادة والفضول الكافي لطرح سؤال خطير من شأنه أن يكشف الخدعة ويبدد فرصة الخرافة في الانتشار..و السؤال هو: ما الذي في داخل الصندوق؟
وتلك الأسئلة الفاحصة بحاجة لذهن متخفف من التبعية إلى حد بالغ، ذلك الذي يهبه الشجاعة في اخترق الصمت والتوارث الأعمى للتخلف..
وفي حال اكتشف السائل هشاشة الخرافة وتمكن من وضع يده على ثقوبها. يمكننا الآن أن نشرع له بوابة الوعي ونستقبله في عالم النور!. لذلك يمكننا أن نقول أن الوعي حالة خاصة تتطلب تكوينا فكريا وسيكولوجيا مغايرا وفائقا وعصيّا على الاستلاب والضلال.
إن هذا العصف الذهني بخصوص التخلف والوعي يقودني دائما للسؤال: من الذي جاء أولا: كيف يمكن نشر الوعي؟ كيف يمكن للواعي أن ينتشل مجتمعه من الركون في حضيض الأوهام والخرافات؟ والعكس صحيح. بحيث يكون السؤال: هل يمكن للمتخلف أن يقود مجتمعه للتخلف؟ هل يمكن له أن يطفئ نور الوعي؟..
في اعتقادي أن التخلف رغم صلابته لا يمكن أن يُعمي البصائر المتنورة، فيما أن الوعي بإمكانه أن يوجّه التخلف إلى مصدر الضوء.. والضوء دائما هو المنتصر على الظلام وليس العكس.
وتبقى المنطقة الأصعب على الإطلاق هي نقطة البداية.. هي منطقة نشوء الوعي من صميم التخلف؟ إن مسؤولية الواعين في المجتمع هو تمهيد الطريق للأفراد بالقضاء على التخلف عن طريق نشر الوعي بطرق متعددة منها استخدام آليات النقد التي هي ببساطة تمييز الرديء من الجيد. في عملية إضاءة لمن هم سائرون على طريق الوعي ليكون بمثابة إرشاد لهذا الطريق الوعر وكثير الآفات. وعندما نصنف المجتمع إلى واع ومتخلف لا نحتمل أي إساءة أو تقليل للآخر. فتفاضل معيار الوعي حقيقة ثابتة لا مراء فيها. لكن على المتنورين الراغبين بتبديد التخلف بمراعاة اللغة والأسلوب المناسبين لبلوغ تقبل المجتمع للرسالة واستيعابها. فالأفكار كالأشجار المُعمرة كلما تجذرت في الأرض صَعب اقتلاعها. ولولا ذلك الزمن الذي اشتغل على تعميقها أكثر لكان من السهل تمييز عدم منطقيتها.. وقد تضحك عليها أيضاً!..
أعود للسؤال الآن.. والذي قد أجيب عليه في مقال لاحق:
هل مجتمعنا مجتمع متخلف؟
kowther.ma.arbash@gmail.com