عانى موظفو الإذاعة والتلفزيون عقوداً طويلة من ضعف الحوافز وشح الوظائف، وكانا سببا في هيمنة الإحباط على أجواء العاملين، وتأخر ترقيات كثيرين؛ إلا من كانت المحسوبية داعمة له ليقفز على كل الطوابير المنتظرة فرصة واحدة للترقية كل ثماني أو عشر سنين!
أما المكافآت فأمرها يثير السخرية؛ فقد صدر نظام مكافآت البرامج عام 1394هـ متوافقاً وقتها مع المستوى الاقتصادي العام آنذاك؛ ولكن بلادنا مرت خلال العقود الأربعة المنصرمة بطفرات اقتصادية هائلة، وبتغيرات في المستويات الاجتماعية؛ ولم يطرأ على نظام المكافآت القديم هذا أي تغيير، والبون يزداد اتساعاً بين ما يناله الموظف على أداء عمله البرامجي في هذين الجهازين وما يعانيه من ضغوط اقتصادية ومتطلبات معيشية؛ حتى أصبح من يعمل في الإعلام موضع شفقة حقاً، وفي منزلة متخلفة جداً من حيث المستوى المعيشي عن غيره من العاملين في قطاعات حكومية أخرى أو في مؤسسات وشركات وبنوك كبيرة معروفة، إلا من حظي برضا مسؤول كبير في الوزارة وكان ذا حظوة لديه؛ فإنه يعوضه عن ذلك الشح بدخول إضافية عالية في صورة مكافأة تعاون عالية أو انتدابات متوالية أو تكليف بالعمل في الصيف؛ وهي ميزات لنخبة مختارة وصفوة منتقاة ممن كانت قريبة من مصدر القرار في مكاتب الوزراء السابقين، أما من كان يغرّد وحده في سرب عمله مؤدياً واجباته بإخلاص ونزاهة ولا يطرق باب فلان أو يتوسل بعلان فإنه يأكل الحصرم، ويدخل على كره منه في تصنيف الفئة التي تستدعي الشفقة التي أشرت إليها آنفاً، واستدعت هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة من ضعف الحوافز وعدم تجديدها والتمييز بين الموظفين في الترقيات والمكافآت والحظوات التي اتسعت حتى أخذت أبعاداً مناطقية وفئوية -مع الأسف- بالإضافة إلى موات النظام الإداري في الوزارة، وإيلاء كثير من المسؤوليات إلى غير الأكفاء ممن تقدمت بهم المرابطة في مواقعهم دون أن يتعرضوا لهبات أو عواصف؛ لكونهم بعيدين عن المواقع العملية التي تكون عرضة لهبات الأعاصير والعواصف، ولكونهم أيضا لا يحملون من رسالة سوى نداء مصالحهم الذاتية لا مصلحة الوطن أو شرف الكلمة؛ فيجاملون ويحابون ولا يقدمون على ما يمكن أن يزحزحهم عن مواضع التكسب والمغانم الوظيفية والمالية!
لقد دفعت هذه الظروف والأحوال السيئة إلى إحباط كثيرين، وانصراف عدد آخر إلى أعمال خارج محيط عملهم الإعلامي، وهجرة عدد آخر إلى مواقع مختلفة في الدولة أو في المؤسسات والشركات الخاصة؛ والمنتظر من الكادر الوظيفي المتوقع صدوره خلال أشهر قليلة استيعاب سوءات المرحلة الطويلة التي تصرمت بعقودها الأربعة بما لها وما عليها، والنظر بتأن وروية وعمق للفضاء الإعلامي الرحب وما يحلق فيه من خطابات جديدة، وما يتنافس على تسيد قمته من مؤسسات إعلامية قوية مدعومة؛ لكي تنهض بأداء رسائل أيدلوجية وسياسية، وعلى كادر الهيئة الجديد الذي يدرس الآن ويقترح أن يعي أبعاد ما يخطه من أنظمة وقوانين لما يطلبه من الموظف ولما سيمنحه للموظف أيضا؛ وبدون تحديد الواجبات وإبانة العطاءات والسخاء فيها وكفالة الحقوق المستوجبة على هيئة الإذاعة والتلفزيون لن تستطيع أن تخرج من حصار الماضي الرتيب وسوءاته المترسخة في وجدانات العاملين على اختلاف أطيافهم.
ينتظر الموظفون في هيئة الإذاعة والتلفزيون أن يعوضوا عما فني من أعمارهم بالنسبة للمسنين منهم، وأن يحفز الجدد القادمون إلى فضاء الإعلام السعودي بضمان تحقيق المطالب التالية:
- صياغة تصور لرواتب الموظفين حسب تخصصاتهم وتصنيفهم في كادر الهيئة الجديد المبني على شهاداتهم وخبراتهم ودوراتهم وتفوقهم في أعمالهم، ولا يعتد كثيرا بمراتبهم الوظيفية السابقة، فهي ليست مقياسا على تفوق المتقدم في مرتبته ولا على تردي المتخلف عن الوصول إلى مرتبة متقدمة؛ بسبب المرحلة الإدارية المزمنة القديمة.
- وضع مدونة جديدة لمكافآت البرامج حسب تصنيفاتها المتعددة، تكون متوائمة مع المستوى المعيشي العام، ولا تقل عما تصرفه المؤسسات الإعلامية الخاصة الناجحة المنافسة.
- صرف البدلات الآتية: بدل سكن، وبدل نقل، وبدل طبيعة عمل.
- صرف مكافأة عن أي تكليف جديد ليس مدرجا في الالتزامات الوظيفية؛ كالمناسبات الخاصة مثلاً.
- التأمين الطبي لجميع العاملين في المستشفيات من فئة ألف. وقد كان هذا المطلب موضع بحث طويل مع الوزراء السابقين دون جدوى.
إن تحقيق هذه المطالب -وهي الحد الأدنى الضروري- سيعيد للإعلام وهجه وتدفقه وطيوره المهاجرة المغردة خارج محيطه، وسيستقطب إلى فضائه الجديد قدرات وكفاءات متميزة، وسيجعل الإعلام السعودي المتحلل من قيود الروتين والبيروقراطية ومن لغة الإعلام القديمة الرسمية المتشددة في صف المنافسة الحقيقية.
وإن وعي معالي رئيس الهيئة الأستاذ الفاضل عبد الرحمن الهزاع بذلك التاريخ القديم باعتباره أحد المنتمين إليه، واستيعابه لتحديات المرحلة الحاضرة لكفيل بتحقيق ما يأمله كل محب لهذا الوطن الكريم.
moh.alowain@gmail.commALowein@