رغم أنني لا أتفق أبداً مع بقاء وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني لمدة تزيد على عشرين عاماً في هذا المنصب، نظراً لأنه في بلد تزخر بالمثقفين والأدباء النوعيين، القادرين على إدارة دفة الوزارة وتجديد روحها ونشاطها، إلا أنني احترمته كثيراً، حتى لو كان من الفلول، حيث يمثل هذا المصطلح «فلول» شتيمة ما بعدها شتيمة، في المجتمع المصري، إلى درجة أن انتقلت إلينا، فحينما يتحدث أحدنا في الشأن المصري، على قنوات التواصل الاجتماعي، يتم وصمه بتهمة «فلول» أو إخوان» بمجرد أن يبدي وجهة نظره المحايدة في إحدى قضايا مصر الثورة.
أقول إنني احترمت هذا الرجل، بصرف النظر عن كونه كان وزيراً سابقاً، وبصرف النظر عن كونه «فلول»، وبصرف النظر أيضاً عن قيمته من عدمها كفنان تشكيلي، لكنني احترمت شجاعته، حينما تحدث بشكل إيجابي عن الرئيس المصري السابق، المخلوع حسني مبارك، وكذلك عن زوجته سوزان مبارك، وفعل ما لم يفعله مئات، بل آلاف المصريين، الذين كانوا جاهزين تماماً لخلع ولاءاتهم بمجرد تحوّل الأوضاع والمواقف وموازين القوى في بلدهم.
قال كلاماً جميلاً عن سوزان مبارك، وتحدث عن تجربة كتاب الأسرة، وذكر بأنه قرر الهجرة من مصر بشكل نهائي، ليستقر في الإمارات أو في إيطاليا، وفي رأيي أنه حفظ ما تبقى من ماء وجهه، بأن خالف التيار، فلم يشتم، ولم يسب، ولم يبرِّر ما كان يحدث، بل امتطى المركب الأصعب، وقال بأن تجربته في الوزارة كانت جميلة، وأنه يتذكر كل ذلك بامتنان، حتى ممن هم أصبحوا في حكم المجرمين أمام الحكومة الحالية.
أعتقد أن الشجاعة هي أن تقول (لا) بثبات، حينما يكون الطبيعي والمنتظر منك أن تقول (نعم) والعكس صحيح، أن تجيب (نعم) حينما ينتظر منك الآخرون، مسايرة التيار، أو الرأي الجمعي، وهذا ما حدث لوزير الثقافة السابق.
أما وزير الثقافة المصري الحالي محمد صابر عرب، فهو أيضاً ضرب مثالاً نبيلاً خلال هذا الأسبوع، بعد أن قدّم استقالته لرئيس مجلس الوزراء احتجاجاً على مشاهد تعرض مواطن للضرب والسحل والتجريد من ملابسه على يد الشرطة أمام القصر الرئاسي في القاهرة، وذلك كما ذكرت جريدة الأهرام المصرية.
وهو أيضاً يعد موقفاً شجاعاً، وتنازلاً عن مركز مرموق، ووجاهة، ومكاسب اجتماعية، مقابل تسجيل موقف ثقافي مهم، ولعل تسجيل مثل هذا الموقف من قبل أعلى سلطة ثقافية في بلد عربي هو تأكيد على أهمية دور المثقف، حتى لو كان رجل سلطة، بل العكس، حينما يتنبّه رجل الحكومة إلى المثقف الصغير الكامن في داخله، وينقلب فجأة عليه، انتصاراً للمبادئ والقيم والمثل النبيلة، هو أمر أصعب، وقرار أكثر شجاعة، مما لو اتخذه مثقف حرّ أساساً، ليس لديه ما يخسره، كما فعل الوزير المصري.
هذا المثال قد ينطبق على الإنسان العادي، بل علينا جميعاً، في حياتنا اليومية، كيف نحفظ توازننا الحياتي، بأن نبقي على مواقفنا ونحفظ كرامتنا، فنقرر ما نريد وما نقول، تبعاً لمبدأ نؤمن فيه، أو احتراماً لقيمة نشأنا عليها.