لم أجد حديثاً ينطبق على إخونجية مصر، وأذنابهم السعوديين، مثل قوله: صلى الله عليه وسلم: (من أرضى الله بسخط الناس كَفَاهُ الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس، وَكَله الله إلى الناس). ما يمر به الإخوان الآن هو مصداق لهذا الحديث الشريف، فقد أرضوا الناس بسخط الله فوكلهم الله إلى الناس فأسقطوهم. ولعل ما تمر به هذه الجماعة السياسية من تصدع في مصر وخارج مصر يعود إلى أن أغلب الناس كشفوهم، واكتشفوا أن الإسلام، والتشبث به، وبتحكيمه، ليس إلا ذريعة للوصول إلى الحكم، فما إن وصلوا حتى قلبوا لشعاراتهم ظهر المجن، فتفرق الناس عنهم، وتركوهم فسقطوا. وهذا ليس في مصر فحسب، وإنما في بلادنا أيضاً، فقد ناقشت أحدهم في تويتر، وهو من كبارهم، وكبار المروجين للبنائية تحديداً، وهي إحدى توجهات هذه الفرقة، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما تنكّر لهم، ورفض أن يُنسبَ إليهم، وكانت حجته وشواهده أوهى من بيت العنكبوت؛ رغم أن إخونجيته لا تتناطح فيها عنزان كما يقول العرب؛ أما الذي يهمني، ويهمني كثيراً، أن (الإخونجية) في بلادنا - ولله الحمد والمنة - أصبحت تُهمة، يتبرأ منها حتى من نذروا حياتهم لخدمتها، و(التمكين) لها، والنيل من صدقية كل من نقدها أو كشفها أو فضح غايات ناهجيها. ويُخيل لي الآن أن (مناع القطان) المصري الذي تجنس بالجنسية السعودية آخر حياته، لو قام من قبره لنفى أن يكون إخوانياً خشية من أن ينبذه الناس ويزدروه.
وإذا كانت (المويه تكذب الغطاس) كما يقال، فإن الممارسة كشفت أن بين الإخوان وسياسة الدول بوناً شاسعاً؛ فمصر وإنسان مصر في عهد الإخوان في غاية الفقر. وقد كان الناتج المحلي الإجمالي لمصر في أواخر عهد حسني مبارك يزيد بقليل على خمسة بالمائة، وقد وصل عام 2008 إلى ما يزيد على 7% بقليل، ويُشكل القطاع السياحي أكثر من عشرة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به أكثر من أربعة ملايين شخص، سواء بشكل مباشر أو عن طريق غير مباشر، ويدر نحو ربع إيرادات الدولة من العملة الصعبة، وكان سعر صرف العملات الصعبة شبه ثابت، ولا وجود للسوق السوداء في أسواق الصرف؛ أما الآن فقد تدنّى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من اثنين بالمائة، وتأثر القطاع السياحي تأثراً سلبياً كبيراً، كما انخفض سعر صرف الجنيه ليصبح سعر الدولار يزيد على ثمانية جنيهات بقليل في (السوق السوداء) الموازية، التي عادت إلى الحياة من جديد في العهد الإخواني، وهذه السوق يتحكّم فيها و(يستحلبها) تجار الإخوان، ومن المتوقع أن يصل سعر الدولار في منتصف السنة الحالية إلى عشرة جنيهات.. أما العدل، وأسه الأول (القضاء) الذي اشتهرت بنزاهته مصر على مر تاريخها، ففعل فيه الإخوان الأفاعيل؛ فقد حصن الرئيس مرسي نفسه بالإعلان الدستوري من رقابة القضاء، لتصبح رئاسة الدولة فوق القضاء، وأقال النائب العام عنوة، إضافة إلى تحصين مجلس الشوري أيضاً من سلطة القضاء؛ كما حاصرت ميليشيا الإخوان المحكمة الدستورية، ومنعت أعضاءها بالقوة من الاجتماع، وهو ما حدا بنائب رئيس المحكمة الدستورية السابق المستشارة تهاني الجبالي إلى القول: (إن القضاء على المحكمة الدستورية هو جزء من مشروع الإخوان للسيطرة على مؤسسات الدولة ذات المرجعيات، التي من بينها المحكمة الدستورية، حتى تجد بديلا لها مؤسسات تتبنى مرجعيات تتوافق مع أفكار الجماعة).
وبعد.. كل ما تقدم يعني أن هذه الجماعة لا تهمها مصر، ولا شعب مصر، ولا تحسين أوضاع الإنسان المصري، قدر ما يهمهم (أخونة) مصر، وإحكام القبضة على مؤسساتها، وحكمها بالقوة، ثم الانطلاق منها إلى بقية بلاد العرب، تحت شعار (إعادة دولة الخلافة)؛ لكنهم نسوا أو تناسوا أن فشلهم (الاقتصادي) في مصر، وهي عقر دارهم ومهد جماعتهم الأول، يعني أنهم تعروا، وأن شعار الإسلام هو الحل (كلمة حق أريد بها باطلاً) ليس إلا.
إلى اللقاء