القائد والمستشارهما الركيزتان الأساسيتان في نجاح أي منظمة، وإن كان النجاح يُسجل للقائد فهذا حق له لحسن اختيار المستشار. فالفارس هو الأصل إذا أحسن اختيار السيف والفرس.
في عالمنا العربي والعالم الثالث يُعتبر نجاح القائد بتسيير الأمور، أي أن المدير أو الوزير الذي يُسير الأمور دون تخريب لمنظمته التي يقودها يعتبر ناجحا، بينما يُعتبر القائد المسير فاشلا في العالم المتقدم، فمستوى نجاح القائد عندهم يحسب في مقدرته التجديدية للنمط المعتاد على وجه يحقق كماً كيفيا ونوعيا في القفزات التنموية والتطورية لمنظمته التي يقودها.
وكذلك هو الأمر في اختيار المستشارين، فالمستشار الناجح هو المستشار النابغة لا المستشار المثقف، فالمثقفون كثير، وهم الذين اكتسبوا ثقافتهم من خبرتهم أو من كثرة قراءاتهم، ولكنهم لا يأتون بجديد لأنهم لا يستطيعون الخروج عن النمط التفكيري السائد. وأما النابغة فهو من قرأ قليلا أو عمل قليلا فأتى بالكثير من التجديد والتطوير في مجاله.
وإدراكا لهذه الحقيقة، فإنك ترى أن الأمريكان قد وضعوا اختبارات قياسية لكل شيء. والمتأمل لهذه الاختبارات - غير التخصصية- سيجدها تعتمد على حد أدنى من المعرفة العلمية مع تركيزها على مقدرة الشخص العقلية في حل المسائل بطرق غير تقليدية، التي لا يستطيع اكتسابها لا عن طريق التدريب (أي الخبرة) ولا عن طريق التعمق في العلم أي (الأكاديمية). فرغم التشابه الشديد لأسئلة هذه الاختبارات، إلا أنه مهما تدرب الشخص على حل هذه مئات من نماذج هذه الاختبارات إلا أن الحصول على درجات عالية فيها لا يتحصل إلا لمن له قدرة في التفكير خارج الصندوق بحل هذه المسائل بطرق غير تقليدية.
وإذا استثنينا المحسوبيات والاعتبارات الخاصة فإننا سنجد أن شهادات الخبرة أو الشهادات العلمية هي المعتبرة في العالم الثالث عند تعيين القياديين والمستشارين، لا النظر في الكمية النوعية لحصيلة هذه الشهادات والخبرات من نتائج عملية تطبيقية.
ومن المعترف به عالميا أن أنجح القيادات التنفيذية والاستشارية هم الأمريكان، ولذا فهم يتقاضون أعلى الأجور عالميا، فالأجور مرتبطة بالإنتاجية. ولا يرجع تفوق مقدرة القادة والاستشاريين الأمريكان وصنعهم للنجاح إلى طول خبرة أو عمق علم تخصصي. فإنك ستجد أن غالبهم قد ارتقى قمة هرم القيادة بلا خبرة سابقة ولا علم تخصصي عميق في مجال منظمته التي يرأسها. فالمتأمل لقصص نجاحات القيادات الأمريكية يجدها انها تكمن في مقدرة القائد على الخروج عن النمط السائد في التفكير، وهو ما يسمى اليوم في علم الإدارة بالتفكير خارج الصندوق.
والمقدرة على التفكير خارج الصندوق موهبة فطرية تولد مع المرء، ثم تنمو وتتطور مع الممارسة والعلم. ومستوى تطور هذه المقدرة ونموها مرتبط ارتباطا وثيقا بمقدار المستوى الفطري لهذه الموهبة. فخبرة ثلاثين عاما لمدير تقليدي قد يحصلها أحد هؤلاء القادة الموهوبين خلال عام واحد. والتفكير خارج الصندوق لا يتحصل ما لم يلم المفكر القائد أو المستشار بأساسيات علوم الصندوق. وكلما تمكن القائد من علوم مجال منظمته التي يقودها كانت مقدرته أكبر على التفكير خارج نمط الفكر السائد المتعلق بها، طالما ما لم تخرج به معرفته العلمية من المجال التطبيقي إلى المجال التنظيري.
وعالمنا العربي لم تعجز أمهاته أن تلد نوابغ في التفكير خارج الصندوق، إلا أنها عجزت إما عن تطوير موهبته بالقهر الفكري منذ الصغر على يد عائلته أو في شبابه على يد مجتمعه. ولو تمكن هذا النابغة في الخلوص من هذا القهر والكبت الفكري فإن عالمنا العربي سيعجز عن تمكينه للاستفادة منه، فالمحسوبيات والاعتبارات الخاصة هي الأولويات المقدمة، ولو تجاوز النابغة هذه العقبات فحصل له التمكين فإن المجتمع سيرفضه. فالمجتمع العربي لا يتقبل التغيير بسبب ثقافته السياسية والدينية القهرية والتي أضافت إلى جموده الفكري ثقافة التنافس التحاسدي التخريبي لا التنافس التحاسدي البناء، وهذا هو المسكوت عنه في سبب إطاحة القياديين والاستشاريين النوابغ في التفكير خارج الصندوق في عالمنا العربي.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem