للإنسان مع يومه، ليله ونهاره، شؤون وشجون..
هو بالتأكيد سيأكل؛ لأنه يريد أن يعيش صحيح الجسم..
وهو بالتأكيد سيشرب؛ لأن وظائف جسمه تحتاج إلى أن تضخ، وإلى أن تفرز..
وهو بالتأكيد سيذهب لعمله؛ لأنه يحتاج للمقابل المادي؛ ليوفر احتياجات معاشه..
لأنه يدرك أن الصحة لا تدوم بالجوع، ولا بالعطش.. كذلك أمور الحياة لا تتيسر بدون دخل مادي..
يبقى هناك الهدف، والغاية, والطموح، وبقية الاحتياجات للإنسان؛ لتكون حياته بوعيه ذات قيمة..
في الناس، الكبار يعرفون كيف ينظمون أوقاتهم، ويضبطون عقارب ساعاتهم عند مواعيدهم..
هم يوظفون خانات اليوم لرغباتهم، وواجباتهم، وينزلونها في خانات وقتهم.. مرتبة.. متوالية..
لكن الصغار لا يعرفون هذا إن لم يتعودوا منذ الصغر كيف ينظمون أوقاتهم؛ لتكون مرتبة وفق أولويات الغرض، والهدف، والحاجة، والطارئ.. مفردات السلوك في تنظيم الوقت الذي علمنا إياها مسلك رسول الهدى عليه الصلاة والسلام..
أجل، هكذا علمتنا «أجندة» محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وفق آيات الله تعالى التي أنزل, ووحيه له الذي علم.. وتطبيقه السلوكي الذي قاد به الدعوة ومكن به الرسالة.. إذ لو لم ينهج تنظيم الوقت وملء خانات الساعة ترتيباً بأولويات الغاية، والهدف، والواجب، والحاجة, والطارئ، لما تحول الكافر لمؤمن تقوم على فكره وعزيمته الدعوة تمكيناً وانتشاراً، ويصبح خليفة صدق، وعضد أزر له صلى الله عليه وسلم.. ولا عمر التاريخ الإسلامي بكل ما فيه من نماذج الشخصيات ومواطن القدوة في النجاح والبناء والتأسيس لحياة الروح، ولعيش الجسد..
ولقد أنزل المطر, وأخرج الثمر, وأشرق الشمس، وأسدل الليل، خالق عظيم، في نواميس كونه الدليل على الترتيب والنظام؛ ليكون بين يدي الإنسان الثمر, والقطر.. والصمت ليسكن، والحركة لينشر..
مكنه فيهما ليرتاح فيكسب, وليعمل فيبذل..
جعل الليل خلوة لجوء، وفسحة مواجهة مع النفس والرب.. فيه تفضي النفوس إليه، وتبني الطريق إليه.. فيه اللجوء ليس لبشر، وإنما لخالقهم، المالك أمرهم.. من لا تصد أبوابه أحداً, ولا يرد لاجئاً إليه.. ومتى يقترب فيه منه، ومتى يريح فيه جسده ينهض للحركة، والعمل في نهار بينه وبين البشر..!
والنهار قيمة، وميدان، ليس للتسكع، والفراغ, ولا للهدر والضياع، ولا للهو، ولا للدعة في البيوت، والأسواق، ولا للإهمال في الواجب، والأداء..
النهار للكسب، وللعطاء, وللنشاط وللهمم..
تنام الشمس ليستيقظ الحنين للرب ولتنبسط الساعات للروح، بل للعقل.. وغالباً ما يطويه العلماء بحثاً, وقراءة، ودرساً، وتأليفاً، واقتراباً من مناجم الفكر البشري، أي هو لثراء الروح، والعقل..
وحين يكون للغايات المثلى، والعليا، الدنيوية منها، والأخروية، يكون دافع نشاط، وهمة حركة في عروق المرء..
وتستيقظ الشمس ليكون الشوق للعمل، والهمم للبذل, والتكوين بالجهد, والكسب باليد والعقل, والعطاء بالعرق والتعب..
الصغار من يدربهم على توظيف الوقت في هجدته..؟ ويقظته..؟
ليكون للثانية من وقتهم عمراً مضاعفاً..؟
وهي تركض بعقارب الساعة قيمة..؟
ومن ثم يبدأ بنفسه..؟!!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855