عند محاذاتك لجامع الشيخ صالح الخريصي ببريدة، وولوجك مع الثنية المؤدية لحي العجيبه، ستجد نفسك على مرمى حجر من مسجد ابن حسين، هذا المسجد الذي عُرف بالدروس العلمية التي كان يقيمها الشيخ الفقيه الزاهد عبدالله بن محمد بن حسين أبا الخيل التي كانت من أظهر ملامح مدينة بريدة خلال نصف قرن، ولقد وُلد الشيخ عبدالله الحسين عام 1340هـ وتتلمذ على عدد من العلماء، منهم قاضي القصيم الشيخ عمر بن سليم، وعلى الشيخ العبادي، وعلى الشيخ ابن إبراهيم، والشيخ الخريصي. ولقد تميز رحمه الله بجمعه بين أكبر مدرستين علميتين في نجد في تلك الفترة فدرس على ابن إبراهيم، وعلى ابن سليم، وأصبح إماماً لهذا المسجد عام 1381هـ خلفاً لوالده الشيخ محمد الحسين صاحب كتاب (الزوائد على الزائد)، وأصبح فترة من الزمن إماماً ومرشداً في بلدة النخيل، ثم تحلق الطلاب عليه في مسجده ببريدة ومن أبرزهم: الشيخ عبدالله القرعاوي، والشيخ محمد الفهد الرشودي، والشيخ سليمان العلوان. وكان من الزهاد المعرضين عن الدنيا، لا يحب الشهرة، فكان من جيلٍ أناروا قلوبهم بسراج الذكر، ومزقوا ظلام الليل بدوي التسبيح، واتسمت حياته بدفء اليقين، ولامس الإخلاص مهجة قلبه فكان يرحمه الله يقوم في الهزيع الأخير من الليل يلزم سواري مسجده، يريق دموعه وتباريحه وأوصابه التي دفنها بين جوانحه، فكانت أشواقه ومرابعه مع سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم من سلفنا الصالح، وكان له جلد وصبر على التدريس، يُقرأ عليه بالمطولات والمختصرات، وكان من أوعية الحفظ، ذكياً، سريع الحفظ. يذكر أنه حفظ جزءاً في ضحى الجمعة. وكان يستحضر الروض المربع وله قدرة على تفكيك عباراته وشرحه، ولقد استمر في التدريس رغم كبر سنه حتى تجاوز 95 سنة، عرف الشيخ ابن حسين ببريدة بالتأخر بإقامة الصلاة حتى أنه من تفوته الصلاة في أطراف البلد يدرك الصلاة معه، لذا تجد مسجده يغصُ بالمصلين الذين يأتون من أنحاء بريدة. ويذكر أن والده كان كذلك.
إن من يتأمل حياة الشيخ ومسيرته المباركة التي تجاوزت التسعة عقود يجدها زاخرة بمآثر عظيمة، وسجايا جليلة كريمة في ساحات العلم وميادين الدعوة. ولقد عركته الحياة وأضنته التجربة فتعامل مع نوازل الدهر بحكمة بعداً في النظر وفراسة في الرؤية وقبولاً بين الخلق. ولقد أصيب في آخر عمره بمرض وتوفي الخميس 19-3-1434هـ وصُلي عليه بجامع خادم الحرمين الشريفين ببريدة ودُفن في مقبرة الموطأ.
نسأل الله بمنّه وكرمه أن ينزله منازل الشهداء والصديقين والصالحين وحسُن أولئك رفيقا.
- مدير دار النفائس والمخطوطات ببريدة