انتهت الأسبوع الماضي أعمال الدورة الثانية عشرة لمؤتمر القمة لمنظمة التعاون الإسلامي في القاهرة، وقد حضر المؤتمر 27 من قادة الدول الأعضاء وعددهم 57 عضواً وكان عنوان المؤتمر (العالم الإسلامي تحديات جديدة وفرص متنامية)، وقد عقدت هذه القمة في وقت حساس للغاية، إذ تواجه الأمة الإسلامية الكثير من
التحديات وفي مقدمتها الجرح الجديد في سورية والتصعيد العسكري اليومي فيها وتجاهل المجتمع الدولي بشكل عام ومجلس الأمن بشكل خاص القيام بأي دور لوقف نزيف الدماء السورية البريئة التي تجري كل يوم.
هذا الجرح يضاف إلى العديد من الجراح الأخرى التي لا تزال تنزف دون أي حراك جاد، فإسرائيل تعربد في المنطقة كيفما تشاء فبعد حصار الفلسطينيين في غزة والاستيلاء على بعض الأراضي اللبنانية، ها هي تهاجم الأراضي السورية وتكتفي الدول الإسلامية بالشجب والاستنكار والإدانة ومطالبة المجتمع الدولي بإجراءات فورية لوقف أي عدوان مستقبلي، ولا تكتفي إسرائيل بالاعتداء على أراضي الدول الإسلامية، بل تتجاوز ذلك للاعتداء على رموزها الأساسية وقبلتها الأولى ممثلةً في المسجد الأقصى الذي تتواصل فيه أعمال التخريب باستمرار دون أي تحرك جاد من قبل الدول الإسلامية وكأنها تنتظر أن يقوم اليهود بتنفيذ تهديداتهم لهدم المسجد الأقصى، ولا أعتقد بأن هذا الأمر إن تم - لا سمح الله - أن يقابل بأي تحرك عملي جاد، بل ستتواصل الإدانة الشديدة لهذا العمل وستقوم دول القمة الإسلامية بالتأكيد على ضرورة التسوية العادلة والسلمية والشاملة للصراع في الشرق الأوسط - كما أصبح يسمى - الذي يجب أن يستند إلى أحكام القانون الدولي وإلى قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكما ذكرت فإن القمة عقدت في وقت حرج للغاية فها هي اليمن تئن بعد أن عاثت فيها أنظمة الفساد، وها هي السودان تقسم إلى شطرين شمالي وجنوبي ليصبح النزاع دولياً وتتواصل الحرب لتكون بين دول بعد أن كانت في إطار إقليمي لدولة واحدة، وهاهي الحرب الأهلية في الصومال مستمرة ومازال لهيب نارها مشتعلاً، كما أن النزاع بين إريتريا وجيبوتي لا يزال متواصلاً، ولازالت أفغانستان في حماية القوات الأجنبية التي لم تنجح في القضاء على القاعدة فعمدت للبحث عن سبل للحوار مع طالبان، ولا تزال الأراضي الأذربيجانية محتلة ولا تزال كشمير تعاني من عدم تقرير مصيرها، وكوسوفو تعاني من عدم الاعتراف بها، والمسلمون في ميانمار وجنوب الفلبين مضطهدون ومشردون، وإيران تسعى جاهدة للتفريق بين الأشقاء وزعزعة الاستقرار، كما لا تزال الكثير من دول القمة تعاني من العديد من المشكلات الاقتصادية إضافة إلى آثار الربيع العربي الذي لم تهنأ به بعض الدول ولم تستقر حتى الآن.
والذي يستعرض تلك الأوضاع الدولية إضافة إلى ما يتعرض له الدين الإسلامي اليوم من دعوات محرضة على كراهية الدين الإسلامي أو لصق تهم العنف والإرهاب والتعصب والتطرف والانغلاق والغلو أو التعرض إلى الرسل والأنبياء وتصويرهم من خلال قصص ورسومات سيئة أو نشر ظاهرة الإسلاموفوبيا وتعزيزها بمظاهر الكراهية وتشويه الدين الإسلامي، يشعر فعلاً بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن”، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: “حب الدنيا، وكراهية الموت”). فقمة اليوم ليست قمة، بل هي قمة الوهن وهي قمة الضعف والخذلان الذي تعاني منها الشعوب الإسلامية.
ولن يغير الله هذه الأمة ويخرجها مما فيها إلا بتغيير ما هي عليه فالله - عز وجل - يقول {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وفي آية أخرى يقول - عز وجل -: {ذَلِكَ بأن اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}، فالتغيير سيأتي إن نحن غيرنا وضعنا وعدنا إلى الله وحرصنا على أن نعود إلى ما كنا عليه {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، عندها نستطيع أن نقول بأن هناك مؤتمر قمة.