العناصر التي تكون منها مجلس الشورى في دورته الحالية هي خليط بين الأكاديميين والخبراء المهنيين.. والجميع نحمل له كل تقدير واحترام فلكل منهم أو منهن خبراته العلمية والعملية التي يمكن أن يساهم بها في الدور الاستشاري الذي يقوم به أعضاء اللجان وأعضاء المجلس كل فيما يخصه، ولهذا فإن
مفهوم العضو السوبرمان الذي يفهم في كل تخصصات المجلس لا يوجد هنا في مجلس الشورى كما لا يوجد في مجالس شورية او برلمانية أو نيابية أخرى في دول العالم، ولهذا تعتمد هذه المجالس على معارف وخبرات المختصين كل في مجاله، ولكن هل -باعتبار أن التعيين هو الفيصل في الاختيار- استطاعت هذه التوليفة المتعددة أن تلبي كافة تخصصات المجلس؟ لا أظن ذلك..
ونحن نقرأ الأسماء المائة والخمسين فلا نجد صدى يحقق مجموعات متخصصة في كل المجالات الإستراتيجية للدولة والمجتمع، وخاصة مجال الإعلام، فقد كانت هذه الدورة استثنائية في محدودية الأسماء الإعلامية المفترض تواجدها بالمجلس، وحسب علمي أنه لا يوجد إلا أكاديمي واحد وهو زميل متمكن وله دراسات وبحوث وخبرات إعلامية عميقة، وكذلك زميلة أخرى لها تجربة مهنية في إحدى الصحف المحلية، وزميل ثالث من ذوي الخبرات السابقة في المجلس وغيرهم عدد من الكتاب ربما لهم مشاركات كتابية قي الصحافة ولكن لا يحسبون في ميدان الإعلام الحقيقي، لأنهم يكتبون في مجالاتهم المتخصصة وليس لهم علاقة بالإعلام سوى كتابات عبر وسائل إعلامية.. وحتى إنهم بأنفسهم لا يدعون أنهم من ذوي الاختصاص الإعلامي..
اليوم الإعلام هو محور ارتكاز الحياة البشرية وهو عقلها الذي يفكر وقلبها الذي ينبض، وأهمية الإعلام هي بأهمية الأشياء والمكونات التي تحيط بالعالم والبشرية في كل الأنحاء، وتقاطعات الإعلام مع السياسة والاقتصاد والتعليم والمجتمع هي تقاطعات محورية ولا يمكن تجاهلها أو تغطيتها، ولهذا فأهمية الإعلام تزيد عن أهمية الإعلام بذاته إلى أهمية الإعلام بعلاقاته وارتباطاته. ومن هنا نجد أن التمثيل الإعلامي في الدورة الجديدة لمجلس الشورى ناقص ولا يلبي احتياجات المجلس واحتياجات المجتمع إذا أردنا أن يكون للإعلام محوريته في صناعة الأحداث والتأثير عليها وتوظيفها في التوظيف الوطني المطلوب.. ولدينا رؤساء تحرير صحف متميزون بخبراتهم ورؤاهم وأفكارهم ولهم أدوار وطنية ذات تأثير مهم في الحياة السعودية، كما يوجد في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية أساتذة شكلوا من خلال معارفهم وخبراتهم ودراساتهم وبحوثهم رؤى وطنية وأفكاراً علمية ذات قيمة إستراتيجية لهذا الوطن. وحتى لا يفهم أحد خطأ أنني أقصد شخص هذا الكاتب فأنا أشير إلى العشرات من الزملاء الذين هم من أفضل الخبرات العربية -ولا أقول الوطنية فقط- ولهم تجارب دولية متميزة من خلال حضورهم المثري لكثير من المحافل الدولية.. هؤلاء من الأكاديميين والمهنيين هم إعلاميون يستحق الكثير أو على الأقل البعض منهم أن يقود قضايا وموضوعات الإعلام في مجلس الشورى الموقر.. وغيابهم شكل الحلقة الأضعف في دوائر المجلس المتخصصة..
لو كانت هذه الدورة المجلسية قبل عشر سنوات أو أكثر وغابت عنها مثل هذه العناصر لوجدنا العذر، رغم أنه لا تقبل الأعذار في غياب الإعلام، ولكن أن تأتي هذه الدورة خلال هذه الظروف والمستجدات التي تحيط بالوطن العربي والمملكة بشكل خاص، فلا نجد عذراً مقبولاً لتعطيل قدرات نوعية وخبرات متميزة داخل أهم المجالس الوطنية. ولا نرى مبررات مقنعة تستثني الإعلام من تخصصات المجلس، كما لا نعتقد أن الاختيار أو الاستبعاد في الاختيار كان نتيجة قناعات بعدم أهمية الإعلام في هذا العهد الذي هو عهد الإعلام وهو بداية تحولات كونية بطلها وفارسها الإعلام.. فالإعلام اليوم هو المحرك الأساسي للشعوب والمجتمعات وهو العملية السحرية التي تضاعف من آلام الدول وتعمق من جراحات المؤسسات السياسية إذا لم تلتفت إليه بالشكل المطلوب أو عمدت إلى تغييبه في الحراكات المؤسسية..
ونحن نعلم وبحكم التجربة أن الإعلام خلال العامين الماضيين بالتحديد أصبح العملة والمعادلة الأصعب، فقد أسقط حكومات الربيع العربي التي لم تستطع أن تتعامل مع الإعلام بمنهجية علمية أو خبرات مدروسة. كما أن المملكة ومعها دول الخليج وقعت تحت تأثير الإعلام المضاد الذي يحاول أن ينال من وحدة شعوب المنطقة ومن أمن دولها ومن استقرار أنظمتها. كما نعلم أيضاً أن الإعلام هو الحلقة الأضعف في مؤسسات معظم دول المنطقة، فلا يزال يترنح تحت وطأة بيروقراطية الأداء التقليدي، ومفاهيم التجارب غير الناجحة في الإعلام العربي، ويعمل الإعلام الخليجي في ضوء التجاسرات الخارجية دون رؤية أو برنامج عمل مبني على أساس من العلمية والمهنية التي تغيب في أغلب الأحيان عن مفاهيمنا الإعلامية على أرض الواقع.. وإذا غابت مثل وغير هذه الرؤى عن المجالس التنظيمية التي هي أجهزة إيقاظ للمؤسسات التنفيذية فسيظل الإعلام كما هو دون تغيير وسيبقى في جمود الشكليات وبنفس الألوان واجترار نفس الشخصيات لعقود بعد عقود ودون تأثير حقيقي على مجريات الأحداث المحلية والإقليمية والدولية..
ولأننا لا نزال نرى أن مجلس الشورى يمكن أن يغير بعض ملامح الحياة العامة في بلادنا فإننا نعتب على الغياب الإعلامي غير المتوقع من شخصيات مهنية وأكاديمية يمكن لها أن تساهم في بلورة تيارات حركية تؤثر على الرأي العام بوسائله الإعلامية من خلال إيقاظات تنظيمية ونفث روح الرؤية التجديدية في الإعلام الوطني..
alkarni@ksu.edu.sa- المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود - رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال