جاء ذكر الوجاهة في القرآن الكريم في موضعين أحدهما: في سورة آل عمران عن عيسى عليه السلام في قوله تعالى: {وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ}، ومعناه: أن يكون ذا وجاهة وكرامة في الدنيا والآخرة، قال ابن كثير في التفسير: «أي له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا، بما يوحيه الله إليه من الشريعة، وينزل عليه من الكتاب، وغير ذلك مما منحه به، وفي الدار الآخرة يشفع عند الله في من يأذن له فيه، فيُقبل منه، أسوة بإخوانه من أولي العزم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، والموضع الثاني في سورة الأحزاب عن موسى عليه السلام في قوله تعالى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}.
ومادة الوجيه مأخوذة من الوجه، والعرب تُطلق الوجه على مقدمة الشيء، والوجه مستقبِلٌ -بكسر الباء- لكل شيء، يقال: «وَجْهُ الرجل وغيره، تقول واجهت فلاناً جعلت وجهي تلقاء وجهه، ومن هذا الباب قولهم: هو وجيه بَيِّن الجاه، ووجه الإنسان هو أشرف أعضائه ظهوراً، وبه يستقبل الناس، وإذا ظهر إنسان في أي مجتمع وبرز فيه قيل له وجيه، ولا يخلو مجتمع من المجتمعات مِن وجهاء وشخصيات بارزة فيه مع اختلاف المواصفات التي يحملونها والقيم التي يتعاملون بها.
والوجيه -أيضاً- ذو الجاه والوجاهة والعرب تقول فلان له وجه في الناس وله جاه ووجاهة، وهو الذي كلما أقبل بوجهه عظم وروعي أمره وأن الأصل في الوجيه من يُعظم ويُحترم عند المواجهة، لما له من مكانة في النفوس.
فمن كان عند الله وجيهاً استحق الشرف، ونال أعظم الرفعة في الدنيا والمنزلة العالية في الآخرة، وهذه لا تكون إلا للأنبياء وأتباعهم ومن سار على منهجهم واقتفى أثرهم، فهؤلاء أهل الوجاهة في الدنيا والآخرة. وأما في الدنيا فإن الناس يشتركون في وجاهتها، ولا يفوز بوجاهة الآخرة إلا الأنبياء واتباعهم ومن سار على طريقتهم.
وهذه الوجاهة التي جعلها الله لأنبيائه أعلى وأرفع من وجاهة أهل الدنيا، لأن الوجيه في الدنيا من غيرهم قد يُقَدر ويُحترم ظاهراً في أعين الناس، ويَتزلف إليه بعض الناس رجاء الانتفاع بشيء مما في يده من عرض الحياة الدنيا، فهذه وجاهة لفترة زمنية تنتهي بانتهاء وقتها لا أثر لها في النفوس، وقد يكون في باطنها الكراهة والبغض والانتقاص.
أما الوجاهة المرتبطة بالدين والعمل الصالح والإخلاص لله، فهي الوجاهة الحقيقية يمنحها الله لمن يشاء من عباده، فيكون صاحبها بركة على الناس في كل أحواله، وهذا الوجيه تكون له مكانة في القلوب واحترام ثابت في النفوس، حتى ولو لم يكن ذا منصب وجاه، وأما حقيقة الوجاهة في الآخرة فهي أن يكون الوجيه في مكان عليّ ومنزلة عند الله.
*وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية