سالَ الحبر نازفاً يُعبِّر عن الوجع الذي خلفه رحيل شاب مفحِّط أو مفحط على جسده، وتسابقت الدموع في التساقط السريع على الوجنات لتكشف عن أسى ولوعة على فَقْدِ شاب مطعس، وما بين المفحط والمطعس فقدنا في غمضة عين عشرات الشباب المصطفين للفرجة على تهور المفحطين والمطعسين دون أن يفصلهم عمن باعوا أنفسهم بثمن بخس ومتع زائفة أي حاجز حتى ولو كان من جريد النخل.
لفظت شابة أنفاسها الأخيرة في حادثة دباب في منتزه بري لا تتوافر فيه أدنى وسائل السلامة، وأُصيب طفلٌ صغيرٌ بالشلل على أحد الشواطئ المكتظة بالمتنزهين، نتيجة ارتطام الدباب الذي يقوده بعمود كهربائي عملاق مغروس في وسط المتنزه، ورأيت شباباً صغاراً وأطفالاً يركبون الدبابات بالقرب من مطار الملك خالد الدولي بالرياض، ويُجازفون بقيادتها في وسط الطرق الرئيسة، وبين السيارات العابرة في أكثر من اتجاه دون خوف ولا وجل.
ردود أفعال المسئولين حيال هذه الحوادث والممارسات الخطرة وغيرها المئات، مما ينقله الإعلام يومياً لم تتجاوز الردود التقليدية التي اعتدنا عليها وتكيَّفنا معها طوال السنين الماضية، مثل مطاردة أي مفحط أو مطعس، ومنع ملاَّك الدبابات من مزاولة مهنتهم وإقفال محلات التأجير، وتسوير الأراضي التي تحتضن الكثبان الرملية بالشبوك، وهي حلول وقتية تتعامل مع الأعراض فقط، لكنها لا تتعمَّق وصولاً لجذور المشكلة لذلك نجد أن “حليمة تعود لعادتها القديمة” بعد أيام، وربما أسابيع أو حتى شهور على الأكثر, فيعود المفحط لممارسة هوايته لقتل نفسه وعشاقه من الجماهير المبهورة بمهاراته البهلوانية، ويرجع المطعس لطعسه الذي قتله الشوق إليه، فيُقدِّم نفسه قرباناً لعيون المبهورين به، أما محلات الدبابات فلا تلبث أن تفتح أبوابها مرة أخرى انتظاراً لمزيد من الزبائن المتعطشين لهذا النوع الخطر وغير المأمون من الرياضات.
المشكلة ليست في تلك الأعراض فهي نتائج حتمية لفوضى تُركت دون تدخُّل لتنظيمها أو تحجيمها بطرق مقنعة، المشكلة أن الشباب وكذا الشابات مقتنعون تماماً بما يُمارسونه وليس لديهم استعداد لسماع أي نداءات ولا الرضوخ لأي أساليب قمعية، أو إكراههم للتخلي عن عشقهم والهوايات التي يجدون فيها متعة غير عادية! إلا في حالة واحدة تمكن فيها أصحاب الفكر من تنويرهم بمخاطر ما يفعلون.
ربما تتساءلون ما الحل والحال على ما نرى؟ الحل في نظري ليس صعباً، لكنه يحتاج لعمل كبير، وهذا العمل الكبير سيكون ميسوراً لو عقدنا العزم على حماية شبابنا من الكوارث والفواجع المحتملة في أي لحظة.
التفحيط والتطعيس وركوب الدبابات وغيرها موجودة ويُمارسها الشباب حتى في أكثر الدول تقدماً، لكن وسط احتياطات كبيرة لضمان سلامة المستخدمين، إذ تتم داخل مدن ترفيهية مرخصة من الدولة تخضع لتشغيل عالي الجودة مع إلزام المشغلين بتوفير احتياطات الوقاية والأمن والسلامة من مدرجات للمتفرجين ومضامير واسعة وسياج حديدي عالٍ، يتيح للحضور الفرجة في أمان ودون أخطار مع تأمين مراقبين للفعاليات وتنظيم دخول وخروج وغرف لبيع التذاكر ومدربين.
هل فكرت البلديات بمثل هذا المقترح، وهو لا يُكلف الدولة شيئاً أكثر من دراسته ووضع نماذج لمثل هذه المدن تُطرح أمام المستثمرين في كل المدن؟
لو طُبق نموذج المدن الترفيهية بطريقة آمنة سنقول للشاب حينها: “حط رجلك وفحِّط على كيفك”.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15