ربما في الانتظار ما يستلهم التأمُّل..
هناك قافلة ستمضي..
والراحلون، والآيبون, يتحرّكون في ساحات المحطة..
زخم القهوة يصَّاعد بأبخرتها تعبِق في الأنحاء..
المنادي يعلن بدء التحرك.., وآخر نبأ الوصول..
صافرة القطار تتأرجح في الهواء..
أزيز محركات الطائرة تشي بإغلاق الأبواب..
محرك العربة يأذن بالانطلاق..
وبعض حقائب مهملة في الزوايا، وأحذية أطفال..
مقاعد المستعينين بها تصطف في انتظارهم..
أركان المبيعات، والمشروبات تتلألأ بإغراء الشهوات..
التأمُّل يطيِّب في مواقع السفر الرحيلَ والإيابَ..!
كلنا راحلون فما البضاعة..؟
وكلنا آيبون فما الزاد..؟
صوتها نوَارة يأتي بشعلة من ضياء..
كما الملعقة يذوِب سُكرَ الصبر, والصمت.., والارتقاء..
المحطات تحرض ملحَ الانفعال، الشهيقَ، والحزن، والبكاء..
ما الذي يشاؤه الإنسان على وجهٍ من الدقة في هذه الحياة..؟
ما تقول عنه المحطة، والمركبة، ودفء الشاي، وسواد القهوة..؟ وبخار الزفير في الشتاء..؟
ما عرفه عنه قيظ الصيف.., واصفرار الخريف.., وتورد الربيع.., وكفوف الوداع.., واللقاء في المحطات..؟!!
ما تحكيه عنه حقائبه، ما يحدث عنه ما فيها،..؟ من الدبوس والقلم، للهاتف، والعطر، من دفتر التدوين, وورق العملة.. لمعطفه وحذائه، من مشطه وثوبه.., لنظارته وقميصه.., من سجادته وبوصلته.., لحافظة عناوينه التي تقيه التيه..؟
ما تضمره أفكاره، وترسمه مخيلاته.., وتريده نيته..؟
كتلة الكائن فيه ما علاقتها بالمحطة، راحلاً منها، آيباً إليها..؟
أتفضي العيون بما ترى..؟
أم تبوح الصدور بما تكتنز..؟
فرِحا يذهبُ ..؟ حزيناً يعودُ..؟
منتصراً ينتشي..؟ منهزماً ينطوي..؟
فاقداً يعود.., مكتسباً يغادر..
منتظراً يترقّب..؟ مودعاً يتأهب..؟..
المحطات سجلٌ..
والتأمُّل يدوِنُ..
والشجن نبعٌ تدره رائحة المحطات.., وضجيجها..!!
والإنسان لا يهدأ أبداً ...........!!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855