نعاصر هذه الأيام جدالاً وتجاذباً بين فئات مختلفة في المجتمع حول وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي، والجدال يطرق دروبا وضروبا؛ منها حقوق المرأة كإنسان في الحركة والإرادة والملكية وحقوقها طبقا لدورها كأم أو زوجة أو بنت وحقوقها كعضو في المجتمع يعمل ويعلم ويشارك في تخطيط وتكوين المستقبل الوطني، معظم الجدال هو بين الرجال وهم ذوو القرار فيما يليق أو لا يليق بشؤون المرأة، وقد تدبرت في هذه الحال فوجدت أنها هي حال المرأة منذ أزل التاريخ المدون، فالمرأة كانت تمثل مشجبة خطايا الرجل وغرائزه، هي من أغوى أدم ليعصي أمر ربه كما ورد في النصوص الدينية، وهي من سبب حريق روما وهياج نيرون وهي الساحرة والفاجرة في معظم الحضارات القديمة. لذا احتار الرجل كفرد وكمجتمع في المرأة، فرغم كونها سبب عذاباته، إلا أنها متعة حياته، فهو لا يريد الخلاص منها ولكنه يريد أن يتحكم بها بحيث تصبح المتعة المقيدة.
الذكر والأنثى هما أساس البناء البيولوجي للسلالات الحيوية فوق الأميبية، ولكل منهما سمات بيولوجية تناسب الدور الذي يقوم به، وفي جميع السلالات الحيوية ما عدا الإنسان يحكم هذا الدور التكوين البيولوجي، الإنسان مختلف فما يحكم دوره هو التوازن الفكري العضلي، أي أن الإنسان يستخدم السطوة العضلية القائمة على القدرة في الإيذاء ويشكل هذه السلطة بصورة ذهنية تبريرية. وهنا يبرز الرجل كمسيطر على الوضع العام لما يمتلك من قدرات عضلية تجعله في موقف أقدر على إيذاء المرأة وفرض خياراته عليها، لذا عمدت المرأة على تكوين قدرة توازن بها قدرة الرجل وهي القدرة الفكرية فالمرأة أقدر من الرجل على وضع خطط تكتيكية تجعل الرجل أسير سلطة ناعمة تعتمد على بناء أنماط ذهنية من العادات والمثل التي ترتكز على النصوص الدينية أو العرف الاجتماعي. هذا التوازن في القدرات على فرض الخيارات بين الرجل والمرأة لم يكن متوازنا بصورة متساوية فالرجل تفوق على مر التاريخ في جعل خياراته هي الأولى وخيارات المرأة مشروطة بموافقة الرجل، فمعظم الحضارات بلغت فيها سطوة الرجل على المرأة حدودا لا تحتمل، ففي الهند كانت الزوجة تحرق حية مع جثة زوجها المتوفى لتعبر له عن عفافها وإخلاصها له، وفي اليابان كانت المرأة تحرم من امتلاك أي شيء فهي مملوكة للرجل بكيانها وروحها، وفي الصين كانت النساء تباع كزوجات، وتنقطع صلة الزوجة بأهلها عند بيعها للأبد، وفي الشرق الأوسط ومجتمعات الأديان السماوية الثلاثة لم يكن حظ المرأة أفضل من غيرها في الحضارات الأخرى، فهي وعاء لإنجاب أبناء للزوج الذي هو صاحب الدم والنسل، وهي خادمة في بيته مقابل إطعامها، الإسلام فقط هو الدين الذي منح المرأة حقوقا نص عليها التشريع جعل لها ذمة مالية وحقوقية. ومع ذلك فالرجل بحكم تكوينه النفسي والبيولوجي يسعى للتحكم بالمرأة من خلال توظيف النصوص الدينية لصالح خياراته. فالرجل بصورة عامة لا يثق بالمرأة ثقة مطلقة لذا يسعى إلى حبسها في حرزه، ويبرر ذلك بحمايتها من تعدي الرجال الآخرين، هذا القلق المستدام في ذهن الرجل شكل نمطاً سلوكياً عاماً تبلور في صورة عادات ونظم وقوانين كلها تحد من حركة وحرية المرأة وتجعلها محجوبة عن عيون الرجل الآخر، إما بقرارها في المنزل أو حجبها بما يستر عندما تحتاج أن تكون في الطرقات أو الأماكن العامة، هذا السلوك أفرز على مر التاريخ أنماطاً مختلفة من الحجب، حتى أن الحكم بأمر الله منع النساء من الخروج من البيوت في النهار وجعل ذلك محددا بأوقات بالليل.
في عصرنا هذا هناك تغير عالمي التأثير في مفاهيم العلاقة بين الرجل والمرأة من حيث الدور الاجتماعي والبنائي للأسرة والدور الاقتصادي والحقوقي، هذا التغير يدعم منح المرأة مزيدا من الحقوق ومزيدا من الحرية، ومع ذلك تختلف المجتمعات في قبول أو تسريع هذا التغيير، نظراً لحقيقة القلق المستدام لدى الرجل من فقدان السيطرة على المرأة وبالتالي جموح خياراتها بصورة تسلب خياراته. ولذا يعمد المناهضون لحركة التغيير هذا إلى الاستنجاد بالنصوص الدينية وتأويلها لتتسق مع حججهم ويصمون حركة التغيير بالتغريب أو التشريق والبعد ان السمة والخصوصية الوطنية. هذه المناهضة للتغيير تشتد عند كل حدث يمنح المرأة حقاً من الحقوق المهضومة، ثم ما تلبث أن تستكين تلك المناهضة تحت وطأة القبول الاجتماعي العام، وهذا ما حدث عندما قررت الدولة تعليم البنات، وكذلك عندما قررت توظيفهن وعندما قررت أيضا تمكينهن من المشاركة في رسم السياسية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
خلاصة القول إن الرجل الذي يقاوم منح المرأة حقوقا مشروعة ويبرر ذلك بالخوف من ضياع عفاف النساء، رجل مسكون بمفاهيم بدائية حول علاقة الرجل بالمرأة وكون هذا العلاقة هي علاقة شبقية لا يحكمها إلا الفصل الكلي بين الرجال والنساء, أقول لهذا الرجل، بعد اليوم لن تكتسب من هذا التفكير سوى مزيد من القلق ومزيد من الألم،لأن العالم يتغير بصورة متجانسة وهذه البلاد جزء من العالم وليست استثناء.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail