الحث على العمل مبدأ الخليقة..، والسعي في الحياة بالعمل تطبيق لهذا المبدأ..
وحين يكون العمل هو مبدأ الحياة, لا يكون الهدف فيها, ومنها إلا العيش للتمكن من الفعل معيشةً طيبةً, وإنجازا مُرضيا..،
مرضياً لغاية الوجود المرتبطة بإرادة الله تعالى من الإنسان، وهي العبادة، والإعمار، ومُرضيا لهدف المعاش عند الإنسان ذاته ارتزاقا يقيه مواقف السؤال، وذلة الحاجة من البشر، ويتيح له تسخير نعم الله فيه، وله للتفاعل الحيوي المُنتِج على أرض بُسِطت لتكون دارا لهذا الإنسان أولى..!
فمن يتفكر في غاية الوجود البشري الربانية للإعمار, ولهدف الإنسان البشري وفق هذه الغاية تحديدا, يدرك أن الإنسان لا ينبغي له أن يقف في طابور ينتظر فيه من يقدم له العمل الذي ينتج منه ما يعيش به..!
الدودة في جحرها تخرج لتلتقط رزقها، لا تنتظر أن تنبت لها عشبة، أو تسقط لها قطرة..
الدواب، والطيور، والسمك، وكل خلق الله يسعون للعمل ولأرزاقهم منه، ليس لهم في مؤسسة الحياة، من يركن إليه فيوفر له, أو يعمل عنه..,
وفي النحل, وخليته، والنمل، ومآربه, وحيث يكون ذو حياة يجد الإنسانُ المثل،.. والشواهد.. التي لا تخبئها أسوار, ولا جدر, ولا حواجز, ولا نقب.. ولا عباءات أم، أو أب..!
هذا هو واقع بقية خلق الله في أرضه الشاسعة, على مدى نواميس طبيعة الحياة فوقها..
إلا الإنسان، بحكم عقله, ومسؤوليته البنائية، وأمانته المسؤولة عن مقدرات ما أوجد الله في الأرض، ليسخر بدوره نعم الله فيه من عقل، وحس، وتفكير، وتوالد وتكاثر، وليتفكر فيما يهيئ له موردا, للإنجاز وللاستمرار ما قدِّر له من أجل.. فقد عمل بعقله، ووضع ترتيبا هيكليا لمجتمعه، وتوزعت الأدوار فيه منذ الخليقة إلى عصرنا الباذخ في تنظيمات المجتمع البشري فيه المختلفة أدوار المسؤولية وفقها من قمة هرمها البنائي، حتى سفح تشكيلها، وقاعدته، ومنشئه..
لكن الجميع مسؤولون عن العمل..، العمل الذي لا توكل فيه الهمة الفردية أمرها على الهمة الجمعية وحدها، ولا تتكل فيه المجموعة على المؤسسة إلا بالقدر التنظيمي الذي يتيح للفرد مكانا، ومجالا يتناسبان مع اضطراد خبراته، وقدراته..
ومع هذا التظيم المجتمعي في بلدان العالم حيث تنشأ مؤسسات يلجأ إليها الفرد للحصول على فرصة عمل، لا ينبغي للفرد، بعد أن يشب عن طوق الوالدين أن يقف في طابور لينتظر فرصته.. فإن لم تتح له، فليكن كالطير، كالسمكة، كالنملة، كالنحلة، إذ لديه في ذاته قدرات ما أوجده الله بين البشر..، ولا دفعه للعيش في الحياة بروح، وعقل إلا وهو مزود بها.. وبطاقاتها فهي مكونات الدافع, والهمة، والقدرة, والعزم، والإرادة, والتخطيط، والابتكار..،
فما باله وهو يتعلم منذ الطفولة، يفك الحرف وأولئك النحل، والنمل و...و.. لا يقرأون،..
ويعي ما حوله، وأولئك لا يفقهون،.. ومع أنهم يعملون بالغريزة، والطبيعة لكنه يملك ما يملكون, ويزيد عنهم بنعمة العقل..المحرك لكل طاقات الإنسان..
لذا ليس على المرء في مضمار الحياة أن يضع يديه على خديه، ويقف في طابور انتظار على قدم, وأخرى تئن من الانتظار لتهبه المؤسسة الرسمية عملا.. فإن لم يجد لا يسعى..؟
ليكن المريد، والفاعل لغاية وجوده، ولهدف معاشه..
فالحطاب كان سعيدا، والحارث كان فرحا، والساعي في مضامير الحياة كان مطمئنا.. لا يتكل أحدهم على غيره، ولا يستطعم الحياة بغير جهده.., ولا يقف أحدهم ينتظر أن يجد عملا ولديه ما يغنيه عن الانتظار..
ربما يتحقق ذلك حين تسحب من فوق أكتاف الشباب عباءات الآباء، والأمهات.. ويجربون محكات لم يعودهم عليها الآباء حين تنشئة، ولا الأمهات حين توعية.! فالدعة تصنع المتكلين.. بما يتنافى مع غايات وجودهم، وأهداف معاشهم.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855