الذي قدر له أن يكون حاضرا في حفل تخريج الطلاب والطالبات السعوديين من الجامعات الكندية (2013م) الأسبوع الماضي، وكان في الصالة التي استقبلت (1500) من الخريجين وضيوف الحفل سيغوص في ذاكرة تاريخية عذبة وندية مليئة بالأحلام والطموح والذكريات.. شهدنا مع الزملاء الأكاديمين والإداريين والإعلاميين وفد وزارة التعليم العالي لحفل تخريج طلابنا في كندا تلك الرحلة الحضارية التي امتدت لأكثر من (40) سنة من الجيل الذي حزم حقائب سفره للابتعاث إلى الجامعات الغربية. واليوم هو نفسه يشارك في حفل تخريج أبنائه من الطلاب والطالبات، رحلة طويلة حين كان الطلاب لتوهم قد غادروا قراهم وأريافهم ومدنهم الصغيرة التي كانت تغرق بالحجر والطين، حين كانت مدننا على أبواب التنمية الاقتصادية الأولى في أوائل التسعينات الهجرية والسبعينيات الميلادية حيث كانت تتشكل المدن السعودية وتنتقل من حاضن القرية والريف إلى التمدن والمساكن ذات الطراز الاوربي, بدلت المدن شوارعها الترابية وجدرانها الطينية إلى شيء آخر من الأسمنت والخرسانة الجاهزة، هذا الجيل الذي أعنيه هو الوجبة الجماعية الأولى التي سبقها بعثات فردية.
جيل خرج إلى غرب البحر المتوسط والمحيط الأطلسي عاش غريباً في بلاد بعيدة، كانت تجربة لبلادنا فيها من النجاح والإخفاقات والإصابات، حققت بعض النجاح لكنها لم تكن مدروسة ولم يعد لها إعدادا جيدا, فلم تأت النتائج كما كان متوقعا، وإن كانت فاتحة خير لبلادنا لأنها أهلت جيلا تسلم فيما بعد زمام المبادرة حين نهضت بلادنا إداريا وأكاديميا ومهنيا. لكن بعدها بأقل من (10) سنوات أوقف هذا المشروع في أوائل الثمانينيات الميلادية لندخل في شبه عزلة اكاديمة وهندسية ومهنية لمدة تجاوزت (30) سنة حتى جاء برنامج خادم الحرمين الشريفين عام 1425هـ/2005م ليفتح باب الابتعاث على دول الغرب والشرق من جديد كأوسع هجرة علمية تعرفها بلادنا وصل تعداد طلابنا إلى أكثر من (150) ألف طالب وطالبة.
كانت ذاكرة راعفة تنساح داخل حفل التخرج وهم اليوم يحظون بالرعاية الكاملة المالية والإدارية والأكاديمية عبر ملحقيات وزارة التعليم العالي والغطاء الرسمي من السفارة السعودية، والتوجيه الدقيق من المشرفين للتخصصات التي يطلبها سوق العمل، والتي تلقى الاهتمام من القطاع الحكومي والخاص فهذه المفارقة والمقاربة لجيل الآباء الذي عاش غربة غامضة في السبعينيات نراه اليوم يحتفل بأبنائه في ظرف إداري واجتماعي وحضاري مختلف جداً عما عاشه في السنين الأولى من موجة الابتعاث الجماعي, فقد كانت لحظات حميمة عاطفية عاصفة عاشتها الأسر السعودية في كندا وهي تحتفل في ظرف وواقع حضاري جديد.