مساحة المنزل مهمة لكل عائلة؛ فصغرها يعني ضيق المنزل وعدم الراحة في الحركة، ولكنه أقل تكاليف من ناحية الشراء والصيانة وأكثر حميمية لأفراد العائلة. وكبر حجمه يعني راحة أكبر ولكن تكاليف أكثر. وزيادة المساحة لا تعني فقط زيادة تكاليف على المواطن ولكن حتى على الدولة ومواردها الطبيعية غير المتجددة؛ فهي تحتاج لمساحات أكبر وبنية تحتية أكبر وأمن أكثر وطاقة أكثر..
.. وخصوصاً باستهلاك التكييف الذي يستنزف طاقة كبيرة. لقد أصبح كبر مساحة المنازل تهدد اقتصادنا، فلقد زاد استهلاكنا من البترول الذي تنتجه المملكة إلى ثلاثين في المائة، ويتوقع أن يصل إلى مائة في المائة، وهذا أمر مخيف اقتصادياً، وسيؤثر في رفاهية المجتمع لا محالة.
إذاً، ما هي المساحة المناسبة لبيت العمر ودون أن نرهق ميزانيتنا أو ميزانية بلدنا؟
في رسم توضيحي لحجم المنازل في بعض دول العالم توضح الـ»بي بي سي» أن أصغر متوسط لحجم المنازل هو في المملكة المتحدة بمساحة 76 متراً مربعاً، وأكبر متوسط لمساحة المنازل في الولايات المتحدة وأستراليا بمتوسط 214 متراً مربعاً، وأن أكبر متوسط في أوروبا هو لصالح الدنمارك بمتوسط 137 متراً مربعاً. وفي دراسة أخرى وجدت أن متوسط عدد ساكني هذه المنازل يصل إلى 2.6 فرد. وإذا ما قارنا متوسط عدد أفراد السعودية - وهو تقريباً 6 أشخاص - فإن مساحة المنزل السعودي مقارنة بالمتوسط الأوروبي والأمريكي يجب أن تكون بين 320-550 متراً، أي بمعدل مساحة الدور الواحد 160- 275 متراً مربعاً.
والسؤال: هل سيقبل المواطن السعودي بهذه المساحة بيتاً للعمر؟ والسؤال الآخر: هل هي فعلاً مناسبة له؟
أعتقد أن مثل هذه المساحة ستكون مناسبة في حالة وجود حدائق عامة في كل حي، وتكون على مستوى جيد؛ لتكون متنفساً للعائلة؛ فالعائلة السعودية في لندن تسكن في شقة مساحتها لا تزيد على 100 متر، ومع ذلك مستمتعة بهذه الشقة؛ لأنها تجد متنفساً للأطفال على بُعد خطوات من المنزل. ولكن هل يقتنع المواطن السعودي الذي كان يسكن في بيت مساحته 600-900 متر بالسكن في بيت أصغر مساحة؟ الرد جاء مباشراً وقاسياً على معالي وزير المالية عندما اقترح منزلاً بمساحة 400 متر.
إذاً، كيف يمكن أن تقنع المواطن بأن يرضى بهذا المساحة؟ لكي تقنع المواطن بذلك أولاً يجب أن يتم إنشاء أحياء متكاملة، تشتمل على حدائق تتناسب مع حجم الحي، ومثال ذلك تلال الرياض والحي الدبلوماسي؛ حيث أعتقد أن بيتاً مساحته 500 متر في هذه الأحياء يغني عن بيت مساحته 800 في حي آخر؛ بسبب وجود الحدائق والمرافق الخاصة بالحي. الأمر الآخر: ليس المواطن هو الوحيد الذي يُطلب منه أن يسكن في بيت أصغر ليخفف الأعباء على ميزانية الدولة، ولكن حتى المسؤول، فكيف يمكن لمسؤول أن يسكن في قصر مساحته عشرة آلاف متر مع أسرة لا يتجاوز عددها ستة أشخاص؟ ومع ذلك نطالب المواطن بالسكن في فيلا أصغر؟!
وإلى أن نقنع المسؤول والمواطن بالسكن في مساكن أصغر فإننا نواصل تهديد اقتصادنا، وذلك بالتبذير في استهلاك موردنا الطبيعي الوحيد والعمود الفقري لاقتصادنا. إن دور المسؤول والمواطن أمام الله هو المحافظة على هذه الموارد وعلى ثروات البلد للأجيال القادمة.
وسأختم بكلمة أعجبتني لشرطي ألماني، أعطى شباباً سعودياً مخالفة بسبب طلبهم في مطعم أكلاً أكثر من حاجتهم، الذي كان مصيره سلة المهملات. احتج الشباب وقالوا «هذه أموالنا نطلب بها ما نشاء من طعام!!»، فكان رد الشرطي «أنت حر في أموالك ولكنك لست حراً في استهلاك موارد المجتمع الطبيعية».
@BawardiKwww.bawardik.com