|
الجزيرة - هبة اليوسف:
أشار رئيس قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالله الرفاعي إلى أن تمسك أهل اللغة بمنهجهم القديم في التفكير جعلهم بعيدين عن إدراك التغييرات التي حدثت للأجيال الحديثة, وكان سبباً في إضعافه, مبيناً أنه بعد زمن قد تنحصر صلتهم بالعربية من خلال القرآن الكريم فقط.
وكشف الرفاعي خلال ملتقى تحولات العصر الرقمي وآثارها على اللغة العربية في يومه الثاني، الذي نظمه كرسي أبحاث جريدة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن, أن اللغة العربية تجد تراجعاً كبيراً بل مخيفاً - كما وصفه - لدى الأجيال الحديثة, موضحاً أن الدراسات أكدت تراجع اللغة العربية في استخداماتهم اللغوية في الإعلام الجديد, على كثير من الأصعدة، في المفردات المستوعبة والمصطلحات الجديدة والمهارات النحوية والمهارات الإملائية ومهارات القراءة والتفكير.
مشيراً خلال ورقته التي جاءت بعنوان (هل تواجه اللغة العربية مأزقاً أمام الإعلام الجديد) إلى أن الإعلام الجديد فرض تحديات جديدة على جميع الأمم والمجتمعات الإنسانية، تأتي في مقدمتها التحديات التي تواجه الوعاء اللغوي للأمة وللمجتمع.
وأبان الرفاعي ما قد تواجهه اللغة العربية من تحديات جديدة، وعلى أهلها مواجهتها من خلال: استيعاب المشكلة وحجمها وأبعادها, تقديم الحلول العملية المقبولة من الجمهور العام للغة. مبرزاً خلال حديثه أهم التحديات التي فرضها الإعلام الجديد، الـتي تكمن فيما يتعلق بالمصطلحات المستخدمة من قبل مستخدمي الوسائل، والتطبيقات التي يتيحها هـذا النوع من الإعلام المستحدث.
وأشاد الدكتور عبد الله في ختام ورقته بالجهود التي بذلتها المجامع اللغوية المختلفة في تصحيح الأخطاء الشائعة والترجمة وغيرها، مشيراً إلى أنه لا بد من دراسة تلك التجربة ومعرفة تأثيرها على الواقع التطبيقي للغة في المجتمع العام، والتعرف على الأخطاء التي وقعت فيها.
وفي السياق ذاته أوضحت أستاذ اللغة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتورة شادية شقروش أن اللغة اليوم تواجه خطراً كبيراً من الداخل والخارج، وأشارت خلال ورقتها التي جاءت بعنوان (اللغة العربية والإعلام الجديد الواقع والمأمول)
إلى أن الإعلام في العصر الراهن هو التربة الخصبة والمناخ الذي تنمو في أحضانه اللغة بعامة واللغة العربية بخاصة، والمجتمع هو الماء الذي تحيا به، وإذا كانت التربة والمناخ غير صالحين فإن الماء لا يجدي. وأضافت شقروش بأن من أهم قطاعات المعلومات تأثيراً في اللغة العربية في عصر المعلومات هو الإعلام؛ لأنه يعد السلطة الرابعة. مبينة أن الإعلام سلاح ذو حدين؛ يضطلع بوظيفة الهدم والبناء، وإذا كانت الحكومات قديماً تستطيع التحكم في وسائل الإعلام القديمة فإن الإعلام الجديد يمثل تمرداً حقيقياً على كل المؤسسات، ويفتح الباب على مصراعيه للتواصل الاجتماعي غير المحدود، وهنا تكمن المعضلة.
وتطرقت الدكتورة شادية إلى وسائل الإعلام التقليدية التي تكمن في المرسل والمستقبل والرسالة، إضافة إلى رد فعل المتلقي.
مشيرة إلى أن المتلقي غير قادر على أن يضع بصمته في صياغة الرسالة الإعلامية بشكل مباشر؛ لأنه لا يملك الآليات لذلك، فيما وفر الإعلام الجديد هذه الآلية للمتلقي؛ حيث أصبح شريكاً في صياغة الرسالة الإعلامية، بل أصبح قادراً على أن يصوغ رسالته الإعلامية الخاصة به، التي يستطيع أن يوصلها إلى كل سكان الأرض في أسرع وقت وأرخص كلفة من خلال ما بات يعرف بمصطلح (الصحفي المواطن).
فيما أشارت إلى أن هذه الآلية تعتمد على استخدام الكمبيوتر والإنترنت في صناعة وإنتاج وتخزين وتوزيع المعلومات، وتعتمد على تفاعل المتلقي بحيث يكون له رد فعل على ما يرسل له من معلومات، سواء تعليقاً أو رأياً أو معلومة يملكها تدعم أو تفند رأي وسيلة الإعلام التقليدية.
مشيرة إلى أنه قد يكون الإعلام الجديد أحياناً مصدراً للمعلومة التي تعتمدها وسيلة الإعلام، ممثلة في الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام العالمية، وكان مصدرها الأول والأخير المواقع الاجتماعية، بل إن هذه المواقع أصبحت ذات تأثير فاعل في العمل السياسي.
وأشارت شقروش إلى أن الإعلام الجديد يُعَدّ طفرة جديدة في عالم الإعلام، بدأت مطلع العقد الحالي، وهي آخذة في الانتشار والتوسع والامتداد، حيث دخلت عالم التنظير والدراسات، وتحولت إلى مادة تُقام لدراستها المعاهد والكليات، وتسخر لمعرفتها ومعرفة آثارها، والنقاش ليس بثاً أحادياً وتلقياً إجبارياً مثلما كانت تتميز به نظم الإعلام القديم، لكنه تفاعل يختار فيه الناس احتياجاتهم، ويشاركونهم في الوقت ذاته بالرأي بإعلام شخصي خاص بكل فرد.
كما تقدم وسائل الإعلام الجديد لكل شخص ما يريد في الوقت الذي يريده.
وأوضحت شقروش خلال ورقتها أن الإعلام الجديد هو إعلام تعددي بلا حدود ومتعدد الوسائط, يؤدي أدواراً جديدة لم يكن بوسع الإعلام التقليدي تأديتها، وهو وسيلة تعليم ومنافس تلقائي للمدارس، وهو يعمل في سياق مؤسسات جديدة تختلف كثيراً عما عهدناه في وسائل الإعلام التقليدية، فهو ليس إعلام صحفيين وكتاب وقراء، لكنه مجتمع متفاعل يتبادل فيه الأعضاء خدماتهم ويحصلون على احتياجاتهم الأساسية ويمارسون أعمالهم اليومية.
وأقرت الدكتورة شادية بوجود مستحدثات إعلامية غير مسبوقة, وأن تغييراً كاملاً يعصف بالوسائل الإعلامية القائمة تكنولوجياً وتطبيقياً، وهي عملية تحويل وتغيير جذرية تتم للوسائل القائمة، تزحزحها وتقيم مكانها وسائل اتصال جماهيري.
وأكدت خلال حديثها أن الإعلام الجديد بات سياجاً يؤطر التواصل الاجتماعي، والتواصل الاجتماعي لا يكون إلا بوساطة اللغة, التي تواجه مأزقاً أمام هذا الحشد من وسائل الإعلام، التي رأى البعض أن نفوذها الواسع الذي تمتلكه وتمارسه ويبلغ الدرجة العليا من التأثير على المجتمع، في قيمه ومبادئه، وفي نظمه وسلوكياته، وفي ثقافته ولغته، على النحو الذي يفقد بعض المجتمعات هويتها الحضارية، وينال من خصوصياتها الثقافية، وفي المقدمة منها الخصوصية اللغوية.
وكشفت أن العلاقة بين اللغة والإعلام لا تسير دائماً في خطوط متوازية؛ فالطرفان لا يتبادلان التأثير، نظراً إلى انعدام التكافؤ بينهما؛ لأنّ الإعلام هو الطرف الأقوى؛ لذلك يكون تأثيره في اللغة بالغاً؛ الدرجة التي تضعف الخصائص المميزة للغة، وتُلحق بها أضراراً، تصل أحياناً إلى تشوّهات تفسد جمالها.
وأبانت شقروش أن اللغة في الإعلام تختلف من وجوه كثيرة، عنها في الحقول المختلفة؛ فهي في موقف ضعف أمام قوة الإعلام وجبروته؛ فقلما تفرض اللغة نفسها على الإعلام، وإنما الإعلام هو الذي يهيمن على اللغة، ويقتحم حرمها، وينال من مكوّناتها ومقوماتها؛ فتصبح أمام عنفوانه وطغيانه طيّعة لينة، تسير في ركابه، وتخضع لإرادته، وتخدم أهدافه، ولا تملك إزاءه سلطة ولا نفوذاً.
ورأت الدكتورة شادية أن العيب والخلل في هيمنة وسائل الاتصال الجديد والإعلام على اللغة وضعف اللغة في المقابل يكمن في المجتمع؛ حيث يتواصل معظم المجتمع عبر وسائل الإعلام الجديدة كتابة باللهجات العامية، وهذه الأخيرة «تبدأ بجانب اللغة الأم، وتعيش معها وفي كنفها، ثم تأخذ بالانحراف عنها والإحاطة بها والانتشار حولها، ثم تحول دون سهولة الوصول إليها، واللغة العربية الفصحى تعيش وتخوض حرب البقاء المشروع على الرغم مما تواجه من صور التحدي، ولاسيما عندما يتشبَّع الناس بالثقافة العامية ويعيشونها ويعجبون بها، ويجد الكثير من أبناء العربية العامية مُيسرة سهلة لديه؛ فيميل إليها، ويستعملها، ويتفاعل معها، ويظن أنه يستطيع أن يستغني بها عن الفصحى؛ فيعيش حالة من الانفصام الثقافي، ويعيش حالة من الازدواج اللغوي، ويخدع نفسه أحياناً بشيء من التبرير لاستعمال العامية بدلاً من الفصحى، وقد تكون لمبرراته أسباب كثيرة، بعضها خارج عن مدى تصوره وإدراكه لوظيفة اللغة الفصحى التي يجب أن تقوم بها، وضرورة العامية التي يستعملها، كما أن بيان وظيفة كل منهما يخفى في بعض الأحيان على الخاصة من الناس، فما بالك بأمر العامة الذين لا يعرفون في حياتهم أقرب من العاميَّة وأسهل منها».
موضحة أن الحاضر يشهد خللاً بيِّناً في فهمنا لوظيفة اللغة الفصحى وفي فهمنا لاستعمال ضرورات العامية، ولا نميز الخطر الذي يواجه الأمة العربية عندما تستنيم إلى سهولة العامية، وتتجافى عن الفصحى.
وأضافت شقروش بأنه إضافة إلى العامية يأتي التهجين، أي كتابة اللغة العربية الفصحى أثناء التواصل الاجتماعي بلغة هجينة، من خلال تحوير حروف العربية حيث «انتشرت في الآونة الأخيرة لغة ابتدعها الشباب، وخصوصاً في الفيس بوك والمنتديات والرسائل القصيرة على الهاتف الجوال حتى أصبحت سمة سائدة للتواصل فيما بينهم، تسمى الفرانكو آرب أو الإنجليزي المعرب كما يطلق عليه البعض، بمعنى كتابة اللغة العربية بحروف إنجليزية، إضافة إلى استبدال بعض الحروف العربية التي لا يوجد لها نظير في اللغة الإنجليزية إلى أرقام، ويرى بعض المستخدمين للغة الفرانكو أنهم مضطرون لاستخدامها إما بسبب أن لوحة مفاتيح الحاسب غير معربة، أو بسبب أنهم يتواصلون مع من لا يجيدون ولا يحبون استخدام الحروف العربية، ثم بمرور الوقت يفضلونها وتصبح من أهم أدوات التواصل الاجتماعي».
وشددت شقروش على ضرورة الانتباه لهد الظاهرة؛ فالخطر لا يهدد اللغة من حيث النطق فحسب بل الخطر يهدد الحرف العربي بالاندثار إذا استمر التواصل بهذه الطريقة.
مشيرة إلى أنه إذا كان المتحكم في اللغة وفي وسائل الإعلام الجديد هو الإنسان (المجتمع) فإن اللغة أداة، والإعلام وسيلة، والغاية هي التواصل والتعبير عن الأفكار والقضايا ومتطلبات الحياة. وبما أننا نرغب في أن تكون الأداة هي اللغة العربية الفصحى، و»مستوى» اللغة العربية الفصحى المقصودة لا يعني بالضرورة لغة القواميس أو العربية المثالية؛ فاللغة تتطور باستمرار، وحيويتها تكمن في الاستجابة المستمرة إلى حاجيات مستعمليها والتفاعل الدائم مع متطلبات عصرها، ولا يعني تعميم الأخطاء اللغوية بدعوى الحداثة أو تشريع الابتذال بدعوى الاقتراب من لهجة الشارع.
موضحة أن وسائل الإعلام الجديد نزعت السياج المتحكم في الكلمة التي باتت تنتشر كالنار في الهشيم، واختلطت طبقات الكلام.
واختتمت شقروش ورقتها بضرورة توجيه المجتمع وخلق فضاء وسياج يحمي اللغة العربية من الاضمحلال، مشيرة إلى أن ذلك لا يكون إلا من خلال القرار السياسي الصارم الذي يتوجه بالدرجة الأولى إلى مربط الفرس، وهو المنظومة التربوية، وتنشئة الأطفال على حب اللغة العربية والتخاطب بها.
ومن خلال المحور الرابع بالملتقى، الذي يلقي الضوء على تجارب المؤسسات ودورها في رصد الظاهرة، نقل الزميل الدكتور إبراهيم التركي مدير تحرير الجزيرة للشؤون الثقافية تجربة الجزيرة عبر ورقته التي جاءت بعنوان (اللغة الثالثة هي الحل)، ذكر خلالها أن تجربة مؤسسة الجزيرة - بإصداراتها الورقية والإلكترونية - لن تكون ذات تفرد عن مماثلاتها من المؤسسات الصحفية العربية في العناية باللغة الفصيحة وإيلائها الاهتمام الأكبر، بحيث لا يبدو خطأٌ ولا يَعْبُر لحنٌ، ويظل الأسلوب في دائرة المقبول؛ ولذا كانت أقسام التصحيح والتحرير من أهم الأقسام العامرة بالكفاءات الوطنية والعربية المقتدرة.
ولخص الزميل التركي أبرز الخطوات العملية المستخدمة حاليًا في المؤسسة بما يأتي:
إلغاء الكتابة اليدوية بشكل يكاد يكون كاملاً من المحررين ومن الكتاب والكاتبات, توظيف برامج التصحيح اللغوي الآلية مع عدم الاعتماد التام عليها, المتابعة الدقيقة من المصححين والمصححات اللغويين واللغويات لكل مفردة وجملة وسطر وفاصلة والوثوق من الصحة قبل اعتماد المادة المراد نشرها, الرقابة الإدارية الحازمة على قسم التصحيح والحرص على استقطاب الكفاءات المؤهلة، ومتابعة مخرجات التقنية اللغوية والإفادة منها وعقد دورات تدريبية مكثفة للمصححين والمحررين وإطلاعهم على مستجدات التقنية وضوابط توظيفها.
وأشار التركي إلى أن الواقع يشير إلى وجود الأخطاء النحويّة والإملائية بكثرة, إضافة إلى تراجع الأساليب، وضعف الحساسية اللغوية لدى القراء والمتابعين. موضحاً أن الخطأ في زمنٍ سابق كان أرقاً لمسؤولي الصحيفة ومحرريها؛ لما سيجدونه من ملاحظات وطلب إفادات، وما يتبعها من محاسبة، لكن كثيراً ممن كانوا معنيين بمتابعة اللحن والتصحيف قد تواروا، وظهر جيلٌ جديد تعوزه المعرفة، ولا يعنيه إن جرى رفعُ المنصوب وخفض المرفوع ووضع الهمزة الواوية يائية، وهكذا.
وضمن الزميل التركي ورقته بعدد من التوصيات التي من شأنها الرقي بمستوى الكتابة واللغة في وسائل الإعلام المتعددة، منها عقد دورات تدريبية مكثفة لجميع محرري الصحف الإلكترونية، تهتمُّ بأساسات اللغة، وإتباعها بدورات تحصيلية مع اختبارات كتابية وميدانية في النحو الإعلامي الوظيفي وعدم تمكين المحررين والكُتّاب من العمل عبر وسائط الإعلام الجديد دون تأهيلهم عبر هذه الدورات، أو التأكد من تمكنهم، وإيجاد وسائط خاصة بتصحيف الإعلام الجديد لرصد المتكرر منها ونشره عبرها، إضافة لتعزيز مفهوم «اللغة الثالثة» بحيثُ لا تصبحُ لغة فالتة من الضوابط، ولا تتداخل معها العاميات، وكي تسلم من تشويه التصحيف والحريف، إلى جانب دعم انتشار المواقع الإلكترونية الخاصة باللغة العربية، وتشجيع الشباب على الإفادة منها والرجوع إليها والبحث فيها، وتوسع نطاق خدماتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها على مختلف الأجهزة.
وعرج الدكتور إبراهيم على بعض النماذج والجهود في سبيل حماية اللغة العربية والمحافظة عليها، ومنها الجهود التي تقوم بها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، كما في مشروع تطوير نواة لمحرك بحث يدعم الخصائص المتميزة للغة العربية، أطلق عليه اسم «نبع»، إضافة لمبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي، ونحوهما، كما أن مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية ذو جهود طيبة في محاولة تعزيز الاهتمام باللغة العربية، وكان آخرها تخصيص جائزته السنوية للعام المنصرم لموضوعات تخدم اللغة العربية، وفازت بها دراسة عن «تطوير تعليم وتعلُّم المفردات اللغوية في منهج تعليم القراءة للصفوف الأولية»، وتجربة ميدانية عن مهارات التحدُّث باللغة العربية الفصحى لوزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان، والموقع الإلكتروني «صوت العربية» الذي يشرف عليه د. عبد العزيز الحميد.
وأبان التركي أن تأريخ الصحافة الإلكترونية قريب، كما أنه متغير بشكل متسارع، وتبادل التأثير فيه مستمر؛ فلا يمكن صياغة صورة نهائية لمدى الأثر الذي أحدثه الإعلام الرقمي على اللغة. مشيراً إلى تاريخ انطلاق أول صحيفة إلكترونية، التي لم تتجاوز الاثنين والعشرين عامًا فقط (صحيفة هيلزنبورج داجبلاد السويدية 1990م)، وفي عام 1991م لم يكن هناك سوى 10 صحف فقط على الإنترنت، ثم تزايد العدد حتى بلغ 1600 صحيفة في عام 1996م. وفي عام 2000م وصل العدد إلى 4000 صحيفة إلكترونية على مستوى العالم. أما الآن فإن أكثر من 99 % من الصحف الكبيرة والمتوسطة ذات مواقع على الإنترنت.
مبيناً أن الأرقام الإحصائية تشير إلى تحول الإعلام في عصرنا الحالي نحو الإعلام الالكتروني؛ فحجم توزيع الصحف في أمريكا عام 2008م - حسبما نشرته وكالة Newspapers Association Of America «نيوزبيبر أسوسييشن أوف أمريكا في عام 2008م - هو تقريباً حجم التوزيع نفسه في العام 1978م، مع أن عدد السكان كان وقتها أقل بنحو 100 مليون نسمة، بينما ذكرت «الديلي تلغراف» أن حجم استخدام الناس لليوتيوب في عام 2007م يعادل حجم استخدام الناس لعموم الإنترنت في عام 2000م. ووفق دراسة نشرتها وكالة Market Watch «ماركت ووتش» فإن نحو 70 % من الصحافيين الأمريكيين يقولون إنهم يقرؤون المدونات الإلكترونية بشكل يومي.
موضحاً أن التضاعف اللافت في أعداد المواقع والانخفاض الهائل في أسعار الاشتراك بالإنترنت ساهما في زيادة عدد مستعملي الإنترنت عالمياً بمعدل 20 % سنوياً.
رؤى حول اللغة والإعلام الجديد
وأوضح الدكتور فهد العرابي الحارثي في بحثه المعنون «سلطة اللغة.. سلطة الإعلام الجديد»، ضمن كرسي المانع في جامعة الملك سعود، أن التحديات التي حملتها ثورة التقنية والاتصالات أصبحت تهدد بسقوط كثير من اللغات, كما أن العولمة قامت بإلغاء الحدود وتوهين السيادات القومية والجغرافيا, وأصبحت الوطنيات تُخترق بكل سهولة من خلال الشركات المتعددة, وهذا انسحب على البنيات التقليدية للمعرفة.
وركز الدكتور إبراهيم الشمسان في الكرسي نفسه على «الأخطاء اللغوية في لغة الصحافة» قائلاً: إن اللغة في غرض من أغراضها هي أداة للتواصل، والصحافة فتحت الباب واسعاً أمام الكتاب والقراء؛ ولذلك كثرت الأخطاء في الصحف بسبب السرعة. وضرب أمثلة بأخطاءٍ سببتها الثقافة الأجنبية التي نقلتها وانتقلت بها وسائط الإعلام الجديد، مثل: ترك المطابقة بين الصفة والموصوف، وغياب الحركات في الكتابة واستعمال «أل» مع المضاف، والتصريح بالفاعل للمبني للمفعول، ونحوها.
وتساءل الدكتور فالح بن شبيب العجمي في بحثه المعنون «مشكلات اللغة في الإعلام وآفاقها»: هل لا بد للغة أن تكون قوية وحيوية لتكون لغة الإعلام فاعلة أم أن كلاً منهما مستقل عن الآخر، ويمكن أن يكون قوياً بمفرده؟ وقال إن اللغة العربية لن تبلغ أهدافها دون ثلاثة عوامل، هي: الاستجابة للمعايير والقواعد البنيوية التي تضمن لها أصالتها بعيداً عن انطواء وانغلاق، والاستجابة لمتطلبات المجتمع مع الارتقاء والانفتاح على كل عناصر الحداثة، والعمل على خلق مسافة وصل بين لغة الإعلام ولغة الفكر والأدب والإبداع الفني.
ويرى تقرير حديث لمنظمة الإيسيسكو أن تراجع اللغة العربية وترهلها سهَّلا عليها الانخراط في لعبة الميديا؛ وبالتالي بدأنا نلاحظ اليوم انتشاراً للغة الإعلام المفترقة عن اللغة العربية الفصحى؛ ما سبّب تعارضاً بين وجهي اللغة: اللغة الدارجة من جهة والفصحى من جهة ثانية، وخلق لغة ثالثة وُلدت إثر تفاعل هذه الظاهرة، وعرفت امتداداً سريعاً داخل الدول العربية وخارجها.
ويتساءل الزميل التركي عبر ورقته إذا كانت اللغة الثالثة هي الحل, مشيراً لتقرير الإيسيسكو الذي يرى أن تموقع اللغة الثالثة في المنطقة الوسطى ومؤازرتها أديا إلى اختلافها عن اللغة العربية الكلاسيكية على المستوى الأسلوبي، كما أنها تختلف عن اللغة الدارجة المشتركة على مستوى التعابير التي تميزها، ومع ذلك فإن من علاماتها الفارقة قابليتَها للانتشار بشكل واسع؛ وبالتالي مساهمتها في فتح آفاق واسعة، لكن الخطر يكمن في كون هذه اللغة الوسطى (الثالثة) الهجينة قد حلت محل اللغة العربية الفصحى بصفة نهائية بكل ما يكتنفها من ابتذال ونواقص. ويرى الباحث أننا قد نجد أنفسنا مضطرين للتنازل للغة ثالثة، لا يعنيها البيانُ بل التبيين، ولا يُقَنّعُ فيها عاملٌ سوطًا، ويلحن الناس فيها ويربحون.
وأشار بدوره الدكتور عبدالله الوشمي لتجربة مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية متخذه أنموذجاً عبر ورقته التي جاءت بعنوان (تجارب المؤسسات ومساهمتها في خدمة اللغة العربية من خلال الإعلام الجديد)، وذكر خلالها التطلعات لما يجب أن يقوم به مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، متتبعاً مسارات المساهمة المؤسساتية في مجال الإعلام الرقمي من زاوية صلتها باللغة العربية، وما تتركه من آثار في بنيتها ونموها وتأثرها بمحيطها، وذلك على المستوى الإيجابي والسلبي. ويكمن الجانب الإيجابي فيما يتجلى في تحفيز الحضور المتنوع للغة العربية، ودعم مجالاته، وذلك بالوسائل التقليدية، أو الوسائل المبتكرة، ومن خلال المشروعات الكبرى، أو المبادرات المختصرة.
أما الجانب السلبي فهو ما يتجلى في ارتكاز أغلب الجهود على المبادرات المختصرة، التي لا تتكامل ضمن مشروع كبير، وإنما تطرح نتيجة لسؤال عابر أو طارئ، وتستمر أو تتعثر حسب إيمان صاحب الفكرة، أو حسب توافر الموارد، أو حسب المبادرات العامة.
وخلص الدكتور عبدالله لأهمية تخصيص أقسام مستقلة، تُعنى بالحاسوبيات اللغوية، والعمل على تأسيس الأقسام، أو الكليات، التي تتخصص في ذلك، وأن تكون الجهود في هذا السياق متكاملة ضمن مشروع عام ينهض به لغويون وحاسوبيون.