|
الجزيرة - هبة اليوسف:
أوضح رئيس مركز آسبار للبحوث والإعلام الدكتور فهد الحارثي أن ثورة التقنية أسهمت في سقوط سلطة اللغة العربية، حيث مثلت تلك الثورة هزات عنيفة لقيم الكتابة وتقاليد النشر وبدا ما يسمى تراجعاً أو انهياراً للغة مقبولاً ومرحباً به في المجتمع، وأشار خلال ملتقى تحولات العصر الرقمي والذي نظمه كرسي بحث جريدة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في مرحلته الثانية، أن الواقع المحتشد بتحديات التقنية، يقول إن الثقافة اليوم هي صناعة الجميع، والجميع هم الذين يختارون ما يرون من وسائلها.. ومنها اللغة فلا مفر من أن يكون لهذا الواقع تجلياته الخاصة به، وقد ظهر أن من تلك التجليات: سقوط سلطات اللغة.
وبين العرابي أن المعرفة اليوم باتت بفضل التقنية، متاحة للضعفاء مثل الأقوياء، وللفقراء مثل الأغنياء، وللمغلوبين مثل الغالبين، والتقنية، بإشاعاتها المعرفة، حققت أهم ما تتوخاه فكرة الديمقراطية: العدل والمساواة فالكل يتغذى من هذه المعرفة بحسب شهيته، والكل له الحق في التعبير عن نفسه وعن مخزونه بالطريقة التي يختار.
ولم يقف الأمر عند مستوى العدالة في تداول المعلومات وتبادلها، بل تعدى الأمر إلى ظهور قيم جديدة، منها: إنتاج هذه المعلومات وإعادة إنتاجها.. ولم يعد مسألة التصرف في المعلومات شأناً يعني أهل النخبة وحدهم.
مشيراً إلى إن هذا يعني انحسار نخبوية الثقافة، أو نهاية ديكتاتورية المثقفين، ووصايتهم، ومنح أنفسهم الحق دون غيرهم في التصرف والإملاء والادعاء.
وأضاف الحارثي أن الأدوات أيضا تطورت والتي سمحت للأفراد بالتدوين، لدرجة أصبح فيها التدوين ممكنا وسهلاً لأي شخص يريد ذلك، وأصبح بالإمكان التدوين مباشرة من متصفح الإنترنت، أو من خلال برامج تحرير النصوص (مثل مايكروسوفت وورد)، وحتى من الهواتف الجوالة.
وأشار الدكتور فهد إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي جمعت عددا مهولا من المستخدمين، حيث انتسب لموقع «الفيسبوك» ما يقارب مليار شخص. فيما يزعم موقع «فليكر» أنه يحوي ما يقارب 3 مليارات صورة عن مختلف الموضوعات، يقوم مستخدمو هذه الصور بتحميلها والإضافة إليها باستمرار.
مشيراً إلى أن هنالك مواقع اجتماعية أخرى حققت نجاحاً لافتاً مثل «ماي سبيس» و»أي سمول ورلد» و»لينكد إن». فضلاً عن «تويتر» الذي بدأ خدمة التدوين المصغر منذ العام 2006م. ولفت الحارثي إلى أن موقع «يوتيوب» شكل أهمية كبرى، حيث أصبح لعدد كبير من قادة العالم بمثابة «قنوات» خاصة بهم، يتواصلون من خلالها مع العالم، ومن بين هؤلاء الملكة رانيا العبدالله، والرئيس باراك أوباما.
وأوضح الدكتور فهد خلال ورقته التي جاءت بعنوان (تحولات العصر الرقمي واللغة: مظاهر وانعكاسات) أن الهاتف «الذكي» اليوم بات دليلا على ما تسخره التقنية من خدمات جديدة تضمن السرعة والتحديث المتواصل للمعلومات. فيسجل الصحفي (الذي من الممكن أن يكون مثله اليوم أي شخص) المعلومات على هاتفه، ويلتقط الصور، ثم يرسلها في كل دقيقة أو دقيقتين إلى وسيلته وربما إلى وسائله. وهذا ما سهّل على كثيرين أن يصبحوا مراسلين في بث حي مباشر.
ونتج عن ذلك الوضع التضحيات ببعض القيم الصحفية مقابل السرعة في توفير المعلومة.
وأكد رئيس مركز آسبار أن «المحرر» و»القارئ «، اليوم يلتقيان في صناعة المعلومات، فهما يشتركان، أو يتبادلان السلطات، في صناعة (الخبر) وكتابته ونقله، فيتداخلان ويتكاملان.. ويتعامل المتلقي مع الوسيلة وكأنها وسيلته الخاصة، تمنحه سلطات جديدة، لم تكن تتيسر له في السابق.
وهذا ما أدى لظهور صحافة المواطن ويقصد بها نوع من الصحافة التي تتيح لأي مواطن أن يسهم في تقديم معلومات للوسيلة أو الوسيط الإعلامي.
وأشار الحارثي إلى أن بعض المواقع الإخبارية الشهيرة اضطرت إلى أن تتيح للقراء أن يرسلوا قصصاً إخبارية، وهو ما يعرف بصحافة الجمهور. وبناءً على ذلك يرسل القراء الآلاف من القصص الإخبارية تتم «فلترتها» في مقر الصحيفة وينشر منها عشرات القصص. والقارئ اليوم شريك إيجابي حيث أخذت المساحات المخصصة للقارئ في الازدياد بصورة كبيرة، منذ ظهور الصحف الإلكترونية والمواقع الإلكترونية للصحف المطبوعة، بل أنها تطغى على مساحات المحررين، وتحول القارئ إلى شريك ومتلق إيجابي. وقد تحققت «ثقافة تشجع علاقة أكبر مع القراء، خاصة وغير رسمية».
وأوضح الدكتور فهد أن ما عُرف، فيما سبق، بالصرامة والتدقيق والحدة، والمتطلبات المتعلقة بما يسمى بالمهنية أو الحرفية، وكذلك ما يميز المحترفين عن الهواة والدخلاء.. كل هذه الأمور خفت حدتها كثيراً. وهذا هو ما يفسر الخوف الذي يسري داخل الغرف الإخبارية من أن التركيز على سرعة النقل، ستقوض من قيم الصحافة.
وأشار العرابي إلى أن الثورة التقنية والاتصالية الجديدة أنذرت بموت الكتاب في صورته التقليدية، فهي تدفع بفكرة التأليف نفسها إلى أن تكون في متناول الجميع. وفي موازاة أن ينشئ كل من أراد صحيفته، أو نافذته الإلكترونية، على المستوى الإعلامي، يمكن لأي أحد اليوم أن يؤلف كتابه، وأن يجد بيسر وسهولة ناشره.
وأبان الدكتور فهد أن بعض الشباب من المؤلفين أوجدوا منافذ لهم للهرب من سطوة الناشرين، فأخذوا ينشرون إنتاجهم بأنفسهم، وهم اتخذوا هذه الخطوة للهرب من سطوة القراء التقليديين أيضاً، القراء الذين تعودوا على الخطابات المقفلة، المحصنة، التي يتم التعامل معها بشيء من القدسية، فهي دائماً الإلهامات التي لا تتوفر لأي أحد، وهي مقتصرة على «الموهوبين» والمدججين بالشهادات العليا، أو الإجازات التي لا يطالها سوى فئة محدودة من بني البشر.
وقد لوحظ في أكثر من مكان أن هناك شباباً يطرحون مشروعاتهم في التأليف على الشبكة العنكبوتية بتلقائية، وبلا رتوش، بل أن بعضهم يدعون القراء إلى إبداء الرأي والمشاركة، فإذا بالمؤلف يصبح هو نفسه الناشر، بل أنه يجعل من عمله نصاً مفتوحاً، لا يكتبه هو وحده، بل يشترك معه في هذا الإنجاز آخرون.
الثقافة.. صناعة أقل وعورة
وأشار العرابي إلى أن كثيراً من التقاليد والقيم تهاوت في صناعة الثقافة، وفي التعامل مع مصادرها، وفي مواصفات القائمين عليها إنتاجاً وتصديراً، فهي أضحت بلا حيطان، إذ يسهل اختراقها من الأطراف، وهي لم تعد بتلك الوعورة فيسهم في خلقها وإنتاجها الجميع.
حروف لاتينية.. ونصوص عربية
واختتم الدكتور فهد ورقته بالإشارة إلى ظاهرة استخدام الحروف اللاتينية في كتابة النصوص العربية لرسائل الـ SMS أو لأي استعمالات أخرى في أجهزة التقنية. وقد نتج عن ذلك اصطلاحات للتعبير عن بعض الحروف العربية، مثل، الحاء والخاء والعين والغين والضاد وسواها من الحروف غير المتيسرة في لغات أخرى، فقد كانت تستخدم بعض الأرقام اللاتينية على سبيل المثال، للتعبير عن تلك الحروف.
وبدورها كشفت الدكتورة فاطمة الوهيبي أستاذة النقد والفلسفة في اللغة العربية خلال ورقتها (الأدب في مواجهة التحديات والتحولات: مقاربة نظرية) عن أهم المفاصل التي أنتجها العصر الرقمي بتحولاته السريعة, وبعض ما لحق بالأدب من تغيرات, موضحة بعض ملامح التغير في الأطر والمحتويات والأشكال، وجوانب الحيوية ومكاسب التحولات وآفاقها مع الوقوف على مآزق الأدب، لكونه يتحول تدريجيًا إلى الاستهلاك، كما رأت الوهيبي وينضم طواعية إلى منظومة الصناعات الإبداعية وسوقها الرائج منذ سنوات بما تحمله من وعود ومخاطر.
وأشارت الوهيبي إلى أن العصر الرقمي بتحولاته السريعة أنتج فضاءه الخاص، وغير أدوات الإبداع، وطور وسائله، وحرك الأصول والقواعد السائدة، وأحيانًا خلخلها ونسفها أحيانًا أخرى. فظهرت أشكال جديدة ومحتويات متغيرة متجددة بإيقاع العصر السريع، كما تغيرت النظرة المؤطرة لكل ذلك، فقد قوضت فكرة الأصول، ولحق التغيير فكرة الزمان والمكان، وأصاب التغيير والتأثير المخيلة وأدوات تحريكها والاستفادة منها، وأوضحت الدكتورة فاطمة أن تلك التحولات مست مسألة الهوية وقضايا ثباتها أو انفتاحها أو تعددها، وضخم العصر الرقمي الإحساس بالفردية، وعزز ثقة الإنسان بنفسه وإيمانه باجتراح معجزات إلكترونية عبر واقع افتراضي له فضاء واسع وقاعدة جماهيرية متسعة. كما مكن الفرد من الإحساس بالفعل المباشر على قاعدة عريضة جماهيريًا، وهو من مكتسبات العصر الرقمي الذي كسر النخبوية، وسارع إلى زج الناس في خضم تداولية تفاعلية لها تأثير لم يسبق له مثيل.
وخلال المحور الثاني الذي ناقش مظاهر الإعلام الجديد وآثاره على اللغة قدم وكيل وزارة الثقافة للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجلان ورقة بعنوان ( تأثير الإعلام الجديد على اللغة:دراسة في الدلالة والمعجم) ركزت على دراسة العلاقة بين الصياغة اللغوية للأفكار وبين وسيلة نقلها عبر وسيلة من وسائل الإعلام الجديد وهي «تويتر». وقامت الدراسة على تحليل أمثلة تركت تأثيرًا على المتلقي في فهم النص المكتوب فأوجدت قراءات متباينة للنص الواحد. وهي نصوص جاءت على شكل «تغريدات» تناولت الروح المرتبطة بظهور «تويتر» عند العرب وعلاقة ذلك باللغة العربية.و مساحة الكتابة المتاحة في قالب «التغريدة» ومساحة القول عند «المغرِّدة و المعاني النفسية لدى «المغرّد» والمعاني النحوية في نص «التغريدة». المجاز اللغوي والسياق الثقافي.
وأوضح بدوره أستاذ اللغة العربية بجامعة الملك سعود الدكتور أبو أوس الشمسان في ورقته التي جاءت بعنوان( تأثير الإعلام الجديد على اللغة والثقافة) أن الإعلام لم يعد أسير دفتي الكتاب والصحيفة اليومية أو الأسبوعية ولا حتى المجلات الدورية, فكل هذه الوسائل على استمرارها تشهد عزوفًا عن الاعتماد عليها في نقل الأخبار, إذ تتسابق القنوات الفضائية إلى السبق في نقل الأخبار العاجلة وتضع المتلقي في بؤرة الحدث حيث تنقله بالصورة والصوت، فإذا نشر الخبر في الصحيفة فهو خبر فات أوان ذكره ولم يبق للصحيفة إلا فضيلة التحليل أو التعليق إن وجدتا.مشيرا إلى أن الشبكة العنكبوتية جاءت لتحول العالم كله إلى مجتمع واحد يسهل تواصله بهذه الشبكة العجيبة، ونشأ ما يمكن أن يسمى الإعلام الجديد بأدواته العنكبية الجديدة (تويتر ونظائره، يوتيوب، فيسبك ونظائره) هذا الإعلام الجديد المتسم بسمات جعلته يفارق الإعلام القديم، وبين أبو أوس أهم سمات الإعلام الجديد وهي تعدد أشكاله ووسائله، وسرعة وصوله إلى المتلقي، وسهولة الحصول عليه، وانعتاقه من الرقابة الرسمية والاجتماعية، وانفتاحه على جميع مستويات المتلقين إنتاجًا واستقبالا. موضحا أن لهذا الإعلام آثاره السريعة الواضحة على لغة الناس وثقافتهم، وهي آثار بلغت أوجها في تحريك الجماهير ولمّ صفوفهم وتوحيد كلمتهم أمام أنظمة حكم رأوها ظالمة مهدرة حقوقهم.
وأرجع الدكتور الشمسان سبب ظهور مستويات متعددة من اللغة (الفصيحة والعامية واللغة التي تجمع بين العربية وغيرها) إلى ما وهبته هذه الوسائل من إمكان النشر غير المراقب ولا المدقق ولا المشروط ولا الصادر من نخب محددة مشيرا إلى ما عرف بين أوساط الشباب بالعربيزي، ونال ما يظهر بلغة فصيحة ألوان من الأخطاء صارت تتداولها الناس وباتت من الأخطاء الشائعة التي لا يدرك مخالفتها للقواعد المقررة سوى المتخصصين، وأوضح أبو أوس أن سرعة النشر أثناء نقل الأخبار وغيرها أدت إلى ضعف المراجعة والتصحيح فإنتشرت الأخطاء بالتالي.
وأشاد الشمسان بما منحه الإعلام الجديد من حرية للإطلاق طاقات شبابية إبداعية تعمل في مستوى عال من الإعداد والتقديم، مظهرة قدرة الشباب على متابعة أحوال المجتمع ونقد الأداء في المؤسسات المعنية، وظهرت فرق متآزرة تجمع بين ثقافتين ثقافة عربية وأخرى أجنية، ولكن غلبة العامية في لغة هذا الإعلام يجعله محليًّا في بعض مفرداته، ومن هنا تظهر أهمية اللغة الجامعة المشتركة وهي اللغة الفصيحة، وهي لغة نجد أنه يلجأ إليها في المواقف الجادة المتوجهة إلى جمهور العرب كله.
مشيراً خلال ورقته إلى أهم الآثار الثقافية التي يمكن أن نلمسها وهي انعتاق المعبرين من سلطة الرقابة وبالتالي تمكن المذاهب الدينية المختلفة أن تعبر عن نفوسها وأن تهاجم وتنقد غيرها من المذاهب مستعينة بالصورة والصوت، وصار أنصار كل مذهب قادرين على الاطلاع على جوانب الخلاف والاختلاف وهو ما قد يؤدي إلى التحول المذهبي سرًّا أو علنًا لا يمنعه عن ذلك سوى التعصب المذهبي أو شدة الإيمان بالمذهب نفسه وثقته بأئمة هذا المذهب.
وأوضح الشمسان مدى سلطة الإعلام الجديد وقدرته على المهاجمة وشن حملات لمقاطعة سلع تلاعب التجار بأسعارها.
وعرج أبو أوس على مخاطره وآثار الأعلام الجديد الضارة، ومنها إضعاف مهارات الأفراد وملكاته الذاتية وهي آثار صاحبت اختراع الإنسان الآلات ولكنها تفاقمت اليوم فالآلات سرعت أعمال الإنسان وحملت عنه الأثقال ولكنها جعلته يركن إلى الدعة وأضعفت عضلاته الجسدية وزادت أمراضه وسموم جسمه، وكذلك نجد ملكاته الذهنية في تراجع باعتماده على الآلات في الحفظ والتخزين فكل المعلومات صارت مودعة في الحواسيب والعنكبية والبحث عنها آلي وقلّ الرواة الشفهيون وصار الاعتماد على المدون هو الأصل. واعتماد المتلقي على القراءة الصامتة أفسد قدرته على القراءة الجهرية، ونابت الحواسيب في الكتابة عن الكتابة اليدوية بالقلم فأفسد هذا خطوط الناس مشيراً إلى ندرة مشاهدتنا للكتابة الواضحة المكتوبة بخط عربي جميل، حيث وشاع الاعتماد على خطوط الحواسيب التي كثرت بأشكال مختلفة، ودفعت لانحدر ذوق الناس فقلما تجدهم يستعملون الخطوط العربية الجيدة.
وعن تأثير الإعلام الجديد على اللغة العربية: دراسة في الدلالة والمعجم ركز الدكتور ناصر الحجيلان في ورقته على دراسة العلاقة بين الصياغة اللغوية للأفكار وبين وسيلة نقلها عبر وسيلة من وسائل الإعلام الجديد وهي (تويتر) وتقوم الدراسة على تحليل أمثلة تركت تأثيراً على المتلقي في فهم النص المكتوب فأوجدت قراءات متباينة للنص الواحد. والأمثلة المأخوذة هي نصوص جاءت على شكل (تغريدات) لكاتبين سعوديين أثارت تغريداتهما الرأي العام ووضعت كاتبيها موضع المساءلة القانونية, وتتناول هذه الورقة أربعة محاور هي:
1- الروح المرتبطة بظهور (تويتر) عند العرب وعلاقة ذلك باللغة العربية.
2 - مساحة الكتابة المتاحة في قالب (التغريدة) ومساحة القول عند (المغرد).
3- المعاني النفسية لدى (المغرد) والمعاني النحوية في نص (التغريدة).
4- المجاز اللغوي والسياق الثقافي.