ثارت ردود الفعل الاجتماعية على حديث أحد الوعاظ عن وجوب تغطية وجه الطفلة متى ما كانت مشتهاة، وكانت الردود في مجملها تعترض على سطحية الفتوى، وتطالب بالاعتذار للمجتمع عن النظرة القاصرة والدونية تجاه الأطفال، والدعوة لتغطية وجه الطفلة أو المرأة في المجتمع السعودي ليست وليدة اللحظة، ولها أبعاد أكثر من دينية، وربما تحمل في مجملها بعداً اجتماعياً صرفاً، له علاقة بتقاليد كانت تعتبر غطاء وجه المرأة دليل شرفها، وفيه حماية لها من النظرات وإثارة الشهوات، والدعوة لتغطية وجه الطفلة من خلال تأصيل ديني يحتاج إلى أدلة واضحة، كذلك هو الحال عن غطاء وجه المرأة، ويتداول بعضهم الأثر عن عمر رضي الله عنه عندما قال لأمة رآها متقنعة: اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر، ويحتج به المعارضون لغطاء الوجه بأن النقاب كان تقليداً اجتماعياً وحسب.
قد أتفق مع الرأي المحافظ أن الرجل والمرأة يحتاجان أن يكونا على قدر من الحشمة وعدم الابتذال، لكنني أرى أن غطاء وجوه الأطفال من النساء فيه طمس مبكر لشخصية الإنسان، ويجعل من الطفلة ثم المرأة في موقف ضعف، يجعلها تتكلم مع الآخرين من وراء حجاب، وبالتالي يهز شخصيتها، ويقلل من قدراتها الذاتية، ومن فرص نجاحها في المجتمع، والأهم من ذلك أن حجب الوجه بشكل عام فيه طمس كامل للهوية، ويجعل من المرأة جسدا وهرمونات أنثوية تتحرك بلا شخصية اعتبارية، أو كيانا بلا تعابير تفرض من خلالها قوة شخصيتها ضد النظرات الغريبة، لذلك أجدني من أنصار الحجاب الذي لا يخفي ملامح الوجه، وذلك من أجل الحفاظ على هوية المرأة كإنسان له شخصيته وتعابيره وقدرتها على المشاركة بدون وسيط.
لأسباب لا أفهمها كان ولا زال الجنس يحرك الخطاب الديني في المجتمع السعودي، فالكثير من الوعظ والإرشاد والفتاوي يكاد ينحصر في النساء وحول خطورة مفاتنهن، وفي نفس الوقت يقدمها على أنها كائن ضعيف وقابل للانكسار أمام صلابة الرجل، ويهيئها في نفس الوقت لتكون متاعاً دائماً للرجل، في حين أن المرأة في التاريخ الإسلامي كان لها صولات وجولات، وقد كانت تشارك في الحروب وتقودها أيضاً، ووصل بعضهن إلى منصب الولاية، وأن تقود الأمة، ومع ذلك يحاول بعضهم أن يقدمها على أنها إنسان خُلق فقط للإثارة الجنسية، ولأن تكون رمزاً للمتعة والإثارة والغواية، بينما يعتبر الوعظ الذكوري الرجل ذلك الإنسان الذي حمل الرسالة واستخلف علي الأرض.
مر المجتمع السعودي في مراحل زمنية متغيرة، وكانت كل حقبة منها تعبر عن قفزة في اتجاه المستقبل، ففي بادئ الأمر لم يكن للمرأة ذكر في حديث الرجل، وقد كان يستحي أن يذكر اسمها في حديثه مع الرجال، ثم بدأت رحلة القفز على المراحل، وقد وصل الأمر في العصر الحالي أن يكون لها هوية وطنية تحمل صورتها الفوتوغرافية، وقد أصبحت مؤخراً ملزمة للجميع، وفي ذلك تجاوز كبير لأزمة طمس الهوية للنساء، كذلك تم فتح أبواب العمل الشريف لهن في المجتمع، ووضعت كثير من الأنظمة التي تحميها من تسلط المجتمع على حقوقها، لكنها مع ذلك لا زالت تُعامل في بعض الوجوه كإنسان قاصر، وليس لها حق قيادة سيارة لتوصيل أبنائها للمدرسة، في نهاية الأمركانت ردود الفعل على فتوى الشيخ الذي أفتى بوجوب تغطية وجه الطفل بمثابة الإعلان عن نهاية هذا الخطاب الذكوري المتسلط على الأطفال والنساء، ولو تم قياس الأشياء بالإثارة والشهوة لتوقفت الحياة في المجتمع.