كنت أشاهد أخبار المساء خلالها كأن هناك أحد الصحفيين يقابل رجلاً معمراً بلغ من العمر مائة عام؛ يسأله الصحفي؛ لقد شاهدت كثيراً من التغييرات خلال قرن من الزمان، أليس كذلك سيدي؟ فأجاب المعمر بدون تردد، نعم وكنت دائما أرفضها! مائة عام من السلبية المطلقة كان يعاني منها ذلك المعمر!؟
يوجد كثير من صنف الرجل المعمر في مختلف المجتمعات؛ يحمل شعار الرفض الدائم لكل مختلف أو جديد، وتستطيع الاستدلال عليه بسماع الحجج التي يوظفها، تارة: يطالب المجتمع بتطبيق مثاليات أبعد ما تكون عن الواقع؛ تارة أخرى: التحذير من مخاطر التغيير وأنه سيفضي إلى المفاسد وكأنه يعلم الغيب أو كأن الماضي لم يكن فيه مفاسد؛ وثالثه: تمجيد الماضي والانفصال عن زمن الحاضر من خلال سرد الجانب التاريخي للقضايا إلى درجة تصل إلى الغلو (الغلو: المبالغة بما يزيد عن الحد). إن الحجج التي يتشبث بها مناهض التغيير تخفي بين ثناياها أسباباً غير معلنة، ومنها؛ (1) يصعب عليه التراجع عن مواقف اتخذها واشتهر بتبنيها لمدة سنوات؛ (2) مواكبة متغيرات العصر الحديث قد يتطلب منه تبني مواقف جديدة مناقضة لمواقفه السابقة؛ (3) التراجع عن مواقفه السابقة يعني التخاذل بعد التفاني؛ (4) الانهزام بعد الإصرار لسنوات عديدة يعني خدشاً لكبريائه أمام أهله وعشيرته وفصيلته التي تؤويه.. إن الرجوع إلى الحق فضيلة ولكن يحول دونه الكبرياء وللحفاظ على ماء الوجه يلجأ مناهض التغيير إلى نسج عالم افتراضي بأنه ربان يجلس في مكان متميز في أعلى السفينة يرى مالا يراه الآخرون، وعندما يشعر أن هناك تهديدا لمواقفه أويشعر أن حججه التي يستند عليها بدأت تتآكل بسبب أمواج التغيير العاتية، عندها يتوهم أن السفينة بدأت تتخبط وتتمايل ومعرضة للغرق، فينتابه هاجس قهري بأن قارعة ستحل به إذا ما توقف عن مسعاه المناهض للتغيير، ويغيب عن إدراكه أن العيش في عالم افتراضي يفضي إلى الذهان وهو مصطلح طبي نفسي يعني (فقدان الاتصال مع الواقع).
الخلاصة:
المناهض للتغيير من ذوى أصحاب الضمير الحي يعلم من خلال التجربة أن التغيير قد يصاحبه التخبط وارتكاب الأخطاء، ولذلك تراه يطالب بأعلى مستويات التزمت في سبيل تحقيق المثالية، ويجفل من كل فكرة ترمي إلى التجديد أو التحديث خوفا من الفشل ويزدريها عندما تكون الفكرة تتصل بالمرأة. التزمت يجعل مناهض التغيير يفقد الإدراك بأن اختلاف الزمان والمكان يقتضي أحيانا التغيير في آلية تحقيق المصالح ودرء المفاسد. التجربة تشهد أن التسليم بنتائج التغيير يتم بطريقين أحدهما المقاومة المتناقصة ثم القبول والتسليم، ومثال على ذلك القبول التدريجي وأخيرا التسليم بحقيقة الفضائيات، الانترنت، عمل المرأة كطبيبة أو ممرضة في المستشفى.. الخ.. والطريقة الثانية استباق نتائج التغيير من خلال نظرة ثاقبة في عمق المستقبل ومثال على ذلك تعيين المرأة في مجلس الشورى. الفرق بين الطريقتين يعلمه أصحاب الفكر الاستراتيجي، الأولى: تغيير فرضه عليك الواقع المحيط بك فتم القبول به مكرها لا بطل، والثانية: تغيير صنعه خادم الحرمين الشريفين وسلم زمامه بيده الكريمة، إلى مجلس الشورى ليمتلك زمام المبادرة في مواجهة عالم متغير..
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji