مسكينة هي تلك الفتاة السعودية التي تكبر وهي تحمل في عقلها فكرة قديمة وبالية لا تتوقف عن النمو والتجدد وهي أن (الحياة رجل) وأنها بلا رجل تكون نصف امرأة بل لاشيء أحياناً، ضاربين بعرض الحائط شخصيتها وكيانها، فتكبر وهي تنتظر «فارس الأوهام» خوفاً من تلك المقولة الشهيرة والغبية جداً (لا يفوتك القطار) فتتزوج وهي تحمل في قلبها وعقلها أحلاماً بحجم السماء أو أكبر عن روعة هذا القطار الذي سيقلها لعالم السعادة الأبدية, لكنها تفاجأ بأنها أمام زواج على طريقة «اكشط واربح» حيث يا تصيب يا تخيب, أو أنها ستحظى بعار لقب «عانس» وهي الصفة التي ستنطلي عليها تلقائياً حين تتجاوزسناً معيناً حسب تقديرات بعضهم ومعاييره عن «العنوسة» التي أضحت شبحاً يلاحق كثيراً من الفتيات! كيف لا؟ وهي من نشأت وهي تسمع ذلك المثل الغارق في مأسويته (ظل رجل ولا ظل حيطة) حيث صوّر لها المجتمع أنه في الرجل ولا شيء غير الرجل يكون مستقبلها, ولقنوها كلمة كلمة, وحرفاً حرفاً أنك بلا رجل نصف امرأة.
وهي أيضاً من تتعرض يومياً لضغط من العائلة والمجتمع - ولا أعمم - لكي تتزوج, فوجود المرأة وحيدة بلا رجل هو خطر عليها وقد يلحق عار بأهلها.
أكاد أجزم بأن كثيراً من الزيجات الفاشلة أو غير السعيدة لم تكن لتحدث لولا هذا الرهاب الاجتماعي الذي يمارسه الناس على الفتاة, لا يهم كم أنت مميزة وناجحة ومتعلمة ومستقلة فأنت بلا رجل ناقصة, لا تكتملين حتى تتزوجين حينها سيتوقف المجتمع عن نغزك بكلمات حق يراد بها باطل عن أمانيهم لك بحياة هنيئة بجانب رجل يحميك, فأنت بدونه حديقة بلا سياج, وجسد بلا روح, حينها لن يسألك أحد هل أنت سعيدة أم لا؟ لا يهم.. فالمهم أنك استثنيت من قوائم العوانس, لتبقى الضحية الوحيدة هي المرأة التي قد تخضع أمام هذه الضغوطات, وتجبرنفسها على الموافقة على أول طارق وطالب قرب, عندها قد يتحول الموضوع إلى كارثة تمتد وتطال الأبناء لاحقا, حيث قد يكون هذا الرجل الذي تزوجته مجبرةً لا بطلة ليس الشخص الذي تمنت الارتباط به والعيش معه في حد أدنى من الاحترام والتفاهم.. بل ثمرة خوف ورهبة.
فلا أفهم لماذا يعتقد بعضهم بأن بالزواج هو مشروع يجب أن ينفذ في حياة الفتاة ضمن فترة زمنية معينة تتناسب مع رؤاهم وأفكارهم ونظرتهم هم للزواج والحياة؟ وليس نصيبا تحدده عوامل ومعطيات تتلاءم مع اشتراطات وطموحات واستعدادات المرأة أو الرجل.
أتفهم تماماً رغبة أي أم وأب في أن يروا ابنتهم مع رجل يحبها ويحميها ويشاركها الحياة والدرب والمصير.. لكن لماذا كل هذا الضغط والخوف والقلق؟؟
فكما يقول الروائي السعودي هاني نقشبندي: (هل هناك سوق للرجال يعرضون فيه لكي تشتري الفتاة زوجاً يلائمها؟؟ ثم.. هل كل الرجال صالحون لكي يكونوا أزواجاً؟؟ ثم.. هل كل من يصلحون أن يكونوا أزواجاً يلائمونها؟ ثم.. وهذا أخطر ما في الأمر، لماذا نجعل من الرجل محور حياة الفتاة وكل غايتها؟)
أخيرا, انتشرت قبل أيام إحصائية لا أعلم عن مدى دقتها تفيد بأن هناك مليونا و600 ألف فتاة سعودية عانس, استقبلها بعضهم بالخوف والشفقة على هؤلاء الفتيات اللاتي سبقهن قطار الزواج.. وأقول هنا بأنه قبل سنوات قد يكون لشفقتكم تجاه الفتاة معنى, حيث كانت الفتاة عبئاً على والديها وبحاجة على من يصرف عليها ويمدها بأبسط احتياجاتها, أما اليوم فهي فتاة قوية ناضجة ومستقلة مادياً, بل إنها تصرف على عائلتها أحيانا من عرق جبينها وليست بحاجة إلى الزواج لمجرد الزواج, ولم تعد تصدق أمثالا غبية تدعي بأن ظل الرجل أهم من ظل الحيطة, بل أصبحت تعرف بأنه وبالزواج تحديداً لا يهم «متى» بل المهم «من».. فاحفظوا شفقتكم لأنفسكم ولهؤلاء اللاتي تزوجن من أجل «ظل الرجل» واكتشفن بأن ظل الحيطة أغلى وأكثر أماناً وفاء ًمن ظل الرجل!.
Twitter:@lubnaalkhamis