بدءاً أعترف بأن هذا العنوان ليس من عندياتي، بل هو من عنديات جريدة الحياة الغراء، ولو اختلسته مثلاً فإني لا أظن أن الصديق والابن البار جميل الذيابي سيقوم بتفضيحي أمام الملأ، لذلك أقول وأعمار القراء تطول, إنني في أواخر الستينيات من القرن الماضي العشرين لم يكن هنالك من عشيرتي من يفك الخط أي يجيد القراءة، وكان «المكتوب» أو الرسالة حينما تأتي إلى أحدهم سرعان ما يهرع إليّ لقراءة المكتوب ثم الرد عليه وبأسلوب كان مشوقاً آنذاك على الأقل، وكنت أتفلسف هكذا «إلى جانب المهاب الذي إذا جلس في مجلس زانه، وإذا تكلم فاح العطر من لسانه، عزيز الجناب فصيح الخطاب، الأخ العزيز والذهب الإبريز، أما بشأن والدكم الكريم فهو بالمناسبة يسلم عليك وتسلم عليك أختك فلانة وأخوك فلان وجميع أبناء العم كفاك الله اللوم والذم, أما بعد فإن والدك يقول كان هذه السنة فحل وفيها يعجز عن «تضريب النوق الفحل»، فعجل لنا بإرسال النقود من أجل توفير العلف وشراء كسوة لإخواتك وأمك وتسديد «الديانة»، أما من (جهات) أخوك فلان فإنه توجه للكويت وسمعنا أنه (لبس عسكري) ولم (يجينا) من مكتوب عنه حتى الآن عسى المانع خير، أما بخصوص عمك فلان فإنه قد «جلب» حوالي خروف إلى عرعر وكسروا السعر ثم توجه إلى (أجفور) وكسروا السعر ثم توجه إلى (الرطبة) وإلى الآن ما جتنا عنه أخبار لذلك قل عسى الله يجيبه بخير».
أقول كنت أكتب هذه الرسائل البريئة وذات مرة جاءتني فتاة بدوية حسناء وكانت تحمل تحت عباءتها العابقة بالعطر مسجلاً حديثاً آنذاك، وقالت لي استمع إلى هذا الشريط واطلب منك أن تسمعه جيداً ثم «رعصت» زر المسجل وكان يصرخ هكذا:
البارحة ساهرن عمسان
ولا حدن من الخلق فاطن لي
يا طير يا خافق الجنحان
سلم الياجيت لي خلي
قل ترى مسكني جيوان
معسكر الجيش بيت لي.