ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 03/02/2013 Issue 14738 14738 الأحد 22 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

جرت العادة على أن الكباش والثيران هي التي تتناطح عندما تتخاصم أو تتعارض مصالحها، تتناطح برؤوسها، على اعتبار أن هذا هو الأسلوب المتاح الذي تحسنه وتتقنه، الأسلوب الممكن لديها لفرض الإرادة والتعبير عن الرأي والموقف، وهو تعبير صامت، لكنه حاد عنيف مؤذ، يعكس مدى الشعور بالغيظ والغضب والحنق، يلجأ إليه كل من المتناطحين كي يظهر مدى أحقيته وأولويته, أو مدى قدرته على الغلبة وفرض الإرادة على الآخر وإثبات الذات، أو الاستحواذ على موضوع المتناطح عليه، إن التناطح في الجملة تعبير خشن، يعد خارج الأطر العقلانية، لهذا غالبا ما يلجأ إليه من لا عقل يرشده إلى البدائل، ولا دليل يهديه إلى الأنفع، لذا من البدهي أن ينتهي التناطح إلى إيذاء وإسالة دماء.

التناطح سمة حيوانية معروفة مألوفة، سمة الذين لا عقل يرشدهم إلى الأصوب، ولا بدائل ممكنة لديهم، لكن ماذا عن أولئك الذين يمتلكون العقل؟، ويمتلكون البدائل؟، ومع ذلك يتناطحون بدرجة لا تقل خطورة ولا عنفا عن المتناطحين بالرؤوس، وهذا النمط من التناطح يثير في نفوس العقلاء الكثير من الامتعاظ وعدم الرضا، بل إنه يثير الشفقة، فالتناطح اللفظي ليس أسلوبا لائقا ببني البشر، خاصة مع المخالف فضلا عن المختلف، لكن وكما يقال: الجود من الموجود، فهذا ما تجود به إمكانات ضعاف العقول، وضيقي الأفق، إنهم مثل العجول يستعينون بقوتهم الخشنة على اعتبار أنها الخيار الممكن المستطاع عندهم، وبالمناسبة الخشونة اللفظية أمضى أثرا، وأكثر تأثيرا في النفس من الخشونة المادية، لكون آثارها تتجدد كلما تداعت الذكريات، أو تعارضت الإرادات والرغبات.

العجب لا ينقضي من شهوة التلذذ بالكلمات الجارحة، والعبارات المؤذية، وأحينا المخجلة، والاندفاع الشديد للمخاصمة والملاججة والمعاداة، لمجرد الاختلاف في وجهة نظر، أو تفسير موقف، أو قراءة نص، أو فهم عنوان, معارك لفظية شرسة، لا تقل بشاعة وعنفا عن تناطح من ليس لديه القدرة إلا بأسلوب التفاهم الخشن بالقرون والرؤوس، على الرغم من أن هناك العديد من البدائل والوسائل التي تتوافق مع إنسانية الإنسان، ومع قدراته العقلية المتنوعة التي تمكنه من التفاهم دون انفعال أو عنف أو إيذاء .

وعندما تفتش عن المسوغ لهذا العنف اللفظي، حتما لن تجد ما يعتد به، أو ما يرقى إلى درجة اليقين التي تتوافق مع سخونة الموقف، وبذاءة العبارة، ودرجة الانفعال، سب وشتم وتعنيف، لا احترام لوجهات النظر، ولا قبول للاجتهادات المشروعة، ولا إيمان بحرية الرأي، إما تكون معنا بحيث تلغي ما أنت عليه من قناعات وإيمان، أو فأنت ضدنا وبالتالي لا مكان لك بيننا، وسيتم إقصاؤك والتشكيك في نواياك وأقوالك، وعندما تتساءل، لماذا كل هذا؟ تتفاجأ بأن كل ما في الأمر لي نوايا، أي كان ينوي فعل كذا وكذا، أو تأويل مواقف، أي كان يقصد بفعلته كذا وكذا.

إن الدوافع الكامنة وراء استخدام الخشونة اللفظية في الاعتراض على المختلف ومحاربته، والتشكيك في ولائه وانتمائه، غالبا ما يكون بسبب زعم البعض بأنه الأوحد الذي يعرف الحق وهو الأولى باحتكاره، وأنه هو من يمتلك الحقيقة دون غيره، وأنه على صواب والآخر على خطأ، آراء حادة، ومواقف متشنجة، بعيدة كل البعد عن شيم العقلاء وسماتهم، قريبة من سمات المجانين وضعاف العقول، إن المتصفح لمواقع التواصل التقني وأخص twitter ليعجب أشد العجب من اللغة التي يستخدمها البعض في معارضته ومدافعته وتفنيده للرأي الآخر، يتبين للمتصفح، الانفعال والتوتر، والضيق من الآراء المخالفة، اتهامات وتسفيه وتشنيع، وكل يعد الآخر عدوا مبينا، يجب التربص له، ورفض بل مقت كل ما يرد منه وعنه.

يقول الإمام مالك رحمه الله: إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب، فاعلم أنه معلول النية، لأن الحق لا يحتاج إلى هذا، يكفي الحق أن تصدح به حتى يستجاب له.

هذه حال المضطربين نفسيا، وعليهم مراجعة أقرب عيادة نفسية قبل أن تسوء حالهم وتتحول إلى اضطراب عقلي.

assahm@maktoob.com

أما بعد
النيات المعلولة
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة