كتب على الباب في لوحة أنيقة رقيقة «إدفع»!
إدفع الباب كي ينفتح لك أيها الزائر الكريم لهذا المعرض التجاري الفخم!
وهل يجهل الزائر المستهدف في خزينته الصغيرة أن الباب لن يُفتح إلا بعد أن يُدفع؟!
يا لهذا التذاكي التجاري الخبيث المغلف المقصود بتهيئة النفس للدفع دون أن تدخل في حوار وخصام مع ذاتها: هل أدفع أم أمنع؟ هل أنفق أم أرفق؟ لا محل لحوار كهذا في هنيهات من الزمن غير المرئي ولا المحسوس أمام بضاعة خالبة لا مفر من اقتنائها؛ وقد كسرت العبارة لأول وهلة عند الدخول ما في قلبك من ممانعة وتحفظ وتعقل وعدم تفريط!
ستنهار قواك أمام العرض الجميل بعد أن انهارت أمام الأمر الحاسم بالدفع من أول نظرة على اللوحة المتدلية!
والله سأدفع؛ لكن حلمك علي أيها التاجر المتخم، لم تتسارع وتضع على باب معرضك الزجاجي اللامع الصقيل لوحة تتدلى باختيال من أكرة الباب الزجاجي المذهبة الأنيقة بخط جميل: إدفع؟!
كن رفيقا كما أنت أنيق في كل معرضك المخاتل المهيأ كله لانتهاب ما في الجيوب قبل ما في القلوب!
سأدفع حتما! وهل لي من حيلة إلا الدفع أيها البدين المتخم الأنيق؛ لن أدفع البابَ الزجاجي الصقيل فقط ولا لوحته المؤطرة المطرزة ولا مقبضَ أكرتِه الأنيقة فحسب؛ بل سأدفع ما تحويه خزانة بطاقتي الزرقاء الخفيفة النائمة الكسلى المتثائبة التي لم يبق فيها من عصارة راتب هذا الشهر إلا ثمالته!
لم يبق إلا ثمالة المحفظة وسأدفع يا سيدي كل ما أملك كي أحصل على بعض ما تملك من متجرك الشاسع الواسع المتخم بالملايين، ولن أستطيع أن أفاصلك في أثمان بضاعتك فلا حول ولا طول لي كي أفاصل؛ بل علي أن أواصل كي ترتفع أنت وأتلاشى أنا، تعلو أنت وتشهق وأضمحل أنا وأختفي مع من معي من طبقتي التي تتقاطر في أفواهها لقمة العيش منقطة أواخر كل شهر!
ضع أنت أيها المتخم ما شئت، وكوم ما شئت وسأدفع؛ فلن يسألك سائل عما وضعت ولا ما كومت ولا ما رفعت ولا ما خفضت!
تضع أنت أيها التاجر المتخم «إدفع» قبل الدخول، وتتقاطر إلي عبارة أجلُ وأرفعُ من جشعك؛ وإن كانت بعدد الحروف نفسها والرسم نفسه؛ ولكن المعنى الذي ترمي إليه رفيق رقيق، والمعنى الذي تستهدفه أنت ثقيل منفر، قبل أن أقرأ أمرك بالدفع قرأت الآية الكريمة التي تهذب وترقق وتعلو بالنفس إلى آفاق العفو والتسامح والمحبة والحبور (إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
إنزع عبارتك تلك، وضع بدلا منها «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» أو «وأنفقوا مما رزقناكم» أو «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» أو «وما أنفقتم فسيخلفه وهو خير الرازقين» أو « يبسط الرزق لمن يشاء» أو «اللهم أعط منفقا خلفا وممسكا تلفا» أو «ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك»!
لقد ضاقت عليك أيها التاجر المتخم عبارات اللغة على سعتها، والمعاني الجميلة على رحابتها؛ واخترت إيلام الجيوب الخاوية والقسوة على الخزانات التي نفضتها أيام الشهر المتصرمة فأمرتها أمرا بلا رحمة ولا شفقة بالدفع قبل الرفع! بدفع المال، قبل رؤية البضاعة!
إنزع «إدفع» فلا أحد يجهل كيف يدفع الباب كما لا أحد يجهل كيف يمرر بطاقته عبر الشبكة العنقودية إن كانت غير خاوية ولا مفلسة ولا مديونة أيها التاجر المتذاكي غير الفطن!
moh.alowain@gmail.commALowein@