ماذا بعد شبكات التواصل، وسرعة المثول صورة، وصوتاً، وحرفاً.. بكل المضامين، والغايات, والنوايا، والخارطات..؟
ماذا بعد أدق الآلات، وأصغر الأجهزة، وأوسع المستوعِبات.. وشاهق البناءات.., وأخفى السراديب..؟
ماذا بعد خروج البشر من قماقمهم.. كالجراد في مواسم الهجرة..؟
ماذا بعد انحسار الأغطية عن المخبوء في براح الشمس..؟
ماذا بعد انبلاج النور عن المظلم في سفر الجباه..؟
ماذا بعد التعود على صوت الصاروخ، وإنذار الطوارئ.. وانفجار البراكين..؟
ماذا بعد الشتات الفكري، وتداخل المفاهيم، واختلاط طبخات النوايا..؟
ماذا بعد ولادة الرجل.. واستنساخ الحيوان..؟
ماذا بعد نانو الذرات, وجزيئات الكتل، وذوبان الأرقام..؟
ماذا بعد ظن الإنسان أنه قادر على ما بين يديه..؟
ما الذي سيؤول إليه المختصر السريع.. الخارق المهيمن.. المتسع المتمكن.. في حياة البشر..؟
ماذا بعد انحسار الخصوصيات.. واندماج الكليات.. وضياع الجزئيات.. واثنية النوع.. واندماج العناصر..؟
ماذا بعد الذي في الواقع يُرى.. والذي لا يُرى.. والذي يُسمع.. والذي لا يُسمع.. والذي يُتعايش معه.. ولا يُتعارف عليه.. والذي يُتعارف عليه، ولا يُتآلف معه..؟
ما الذي بعد الذي يُفرضُ ويُرفض.. والذي يُرفضُ ولا يُرفض..؟
ماذا بعد دوامة المتغيرات المتسارعة، والأنقاض العاجلة، والبناءات المستحدثة، وهجوم المستجدات المفاجئة.. ما ستنتهي إليه عجلة تتدولب معها لحظة بلحظة، وثانية بثانية حياة البشر.. وعقولهم، ووجدانهم، ونفوسهم، في لمح البصر, حتى أنهم غدوا قبل أن يرتد إليهم طرفهم تسقط لهم قناعات..وتنهض لهم مبادئ.. وتَجدُّ لهم أفكار، وتتبدل فيهم أخلاق، ويتغير لهم سلوك, وتولد لهم، وفيهم مسارب أخرى..؟
إن مشهد الواقع ذكرني بذلك البطل في أحد الأفلام الأمريكية - لم تعد التفاصيل مستدعاة الآن - حين حاول الانتصار على
الأشباح الضفادع، ولم يستطع، فآوى إلى سطح خزان ماء كان عالياً شاهقاً، ثم تخلص من وسيلة الصعود إليه.. وأخذ من هناك يراقب الأرض..!!
ثمة من سيتفكر طويلاً وهو يبحث عن إجابة واقعية لكل «ما الذي» تلوب في ذهنه..!
وأكيدٌ، هناك من لديه إجابات جاهزة.. وكثيرة..!!
وهناك من سيرمي بهذه التساؤلات في خانة التهميش.. ساخراً مستصغراً لأبعادها..!!
ومنهم من سيزم شفتيه وهو موقن بطموحات كبيرة.. نافخاً أوداجه ثقة في الذي سيكون..!
ومنهم.. ومنهم..!!
فالدنيا مليئة بالمتفائلين.. وبمن يصنعون، وبمن يدفعون بهذه الموجات..
بما فيها من منعِّمات، وبما فيها من منغصات..
ومنهم من ينغمس في بحرها، لا يعنيه التفكُّر في أمرها.. ما دامت الدنيا سارية على هواه..
ومنهم القلق من دمارها، وشرورها، وسلبها، وسرقتها, وجرأتها، وعنفوانها، وفراغها، وهشاشتها، فاصلاً بين خيرها، وجمالها وتمكنها، ومقدراتها.. معتدلاً في توجسه..
وغيرهم.. وغيرهم..!
غير أن من يجلس على شاهق، وينظر بتمعن فاحص..
سيرى أشد دقة، وأبعد مرمى.. على اتساع ليس في بؤرة قريبة من مرمى ما ينظرون..!!
وكثير.. أكثر منهم يفعلون.. يتفكرون.. يبحثون.. يتوجسون.. ولما هو آت يتطلعون، فيأملون، وينجزون..!
ويحزنون.. لكنهم يفعلون..
فما الذي سيكون في أرض الله الشاسعة مما سيكون.............؟
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855