سبق وأن أشرت في مقالات سابقة للرؤية التي كرسها بعض كبار المفكرين الأمريكيين، وبخاصة الأمريكي من أصل هندي الدكتور فريد زكريا في مقالته الشهيرة بعد أحداث سبتمبر «لماذا يكرهوننا؟»، وهي الرؤية التي تؤكد على أن أحد أهم أسباب التشدد الديني، والموقف السلبي من الغرب لدى الجماهير الإسلامية، والعربية خصوصا، هو البؤس الذي يعيشه المواطن هناك، إذ يؤمن هذا المواطن المسحوق -حسب هؤلاء المفكرين- بأن معاناته ناتجة من سيطرة الحكومات الديكتاتورية التي يدعمها الغرب!، وقد اقترحوا حلولا لهذه المعضلة، وقدمت هذه الحلول إلى صانع القرار، وكانت كلها تشير إلى أن نشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في البلاد العربية كفيلان بالقضاء، أو على الأقل تخفيف حدة التشدد الديني، وبالتالي تخفيف حدة العداء للغرب، فماذا فعل صانع القرار الأمريكي؟!
يربط كثير من المفكرين -شرقيين وغربيين- بين الرؤية الآنفة الذكر، وبين الثورات العربية، التي ساهمت منظمات المجتمع المدني في تأجيجها، وانتهى بعضها، كما في تونس ومصر بإسقاط الحكومات القائمة، بتواطؤ واضح من العسكر، وتشجيع أمريكي لا تخطئه العين، وتغطية إعلامية موجهة لتلك الثورات بشكل لم يسبق له مثيل، وقد كان واضحا منذ البداية لكل من يتابع الأحداث بأن هناك قناعة غربية بإحلال القوى الإسلامية في الحكم، وذلك لقناعتهم بأن أفضل السبل لتحسين صورة الغرب، وتخفيف وطأة «الإرهاب» ضده، هي في مساعدة الإسلاميين للوصول إلى العروش، ولأن كثيراً من القوى الإسلامية تحمل عداءً مطلقاً للغرب من منطلق عقدي بحت، فإن تنظيم الإخوان المسلمين البراقماتي، والمسيس، كان هو الخيار الأفضل، إذ إن بإمكانه أن يدير اللعبة مستخدماً الوجه الديني للداخل، والوجه البراقماتي للخارج، وهو ما كان في مصر وتونس، فهل نجح هذا الرهان؟!
من الواضح أن أمريكا في مأزق حقيقي، فبعد أن أقنعت الجماهير الثائرة في مصر بأنها تتفهم موقفهم، ورغبتهم في ممارسة الديمقراطية، وأنها ستعمل كل ما في وسعها لتحقيق ذلك الهدف، تركتهم لمصيرهم في بداية الطريق، فبعد أن ثارت ذات الجماهير على تنظيم الإخوان المسلمين أثناء أزمة الإعلان الدستوري، وما تبع ذلك من ثورات متفرقة، كان آخرها الثورة الحالية، التي أجبرت المرشد العام على إعلان حالة الطوارئ، إضافة إلى قناعة شريحة كبيرة من شعب مصر بأن التنظيم يعمل لصالح الجماعة، لا لمصلحة عموم الشعب المصري، تخلت أمريكا عنهم، فالرئيس الذي أمر مبارك بالرحيل، هو ذاته الذي يقف الآن موقف المتفرج، بل موقف الداعم لحكومة الإخوان، وهو ما يشبه موقفه وموقف من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين مع حكومات مبارك وابن علي! ما يعني أن دعم أمريكا للثورات لم يكن رغبة في إدخال الشعوب العربية إلى العالم الديمقراطي الحر، بقدر ما يتعلق بمصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة، فهل يا ترى ستتمسك أمريكا بحلفائها الجدد في مصر لمدة طويلة، كما فعلت مع مبارك والسادات وابن علي وصالح، أم سيكون لها رأي آخر في عصر الثورات؟! هذا ما سيحدده قادم الأيام.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2