مرة أخرى، يحق لمساعد مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي أكبر ولايتي، أن يتمسك بسوريا، حين قال: «إن لها دورا أساسيا للغاية، ورئيسا في المنطقة، فيما يتعلق بتعزيز سياسات المقاومة الثابتة، ولهذا السبب، فإن أي هجوم على سوريا، سيعد هجوما على إيران وحلفائها». فسوريا تحولت إلى رصيد إستراتيجي لإيران، باعتبارها الجسر الأساس، الذي من خلاله يمتد النفوذ الإيراني في المنطقة، وبالتالي، فإن إيران ستكون مهددة بالعزلة المتزايدة؛ لسقوط نظام الأسد المحتمل على مصالحها في سوريا، وعلى حليفها حزب الله في لبنان.
تقف إيران بثقلها إلى جانب النظام السوري، وعدم السماح بكسر خط المقاومة كما يزعم القوم؛ لغموض معالم بدائله المفترضة. وحتى تبقى إيران لاعبا أساسا في المنطقة، وتحافظ على التوازنات الإقليمية، والدولية، ومن ذلك: زعزعة أمن منطقتي الشرق الأوسط، والخليج العربي، فلا بد من تسييل سياستها لصالح النظام السوري أيا كان الثمن، حتى لو اضطرت لشن حرب، أو افتعال أزمات دولية؛ من أجل طرح حلول بديلة، يمكن أن تصل بسوريا إلى بر الأمان، والعمل على استباق أي استهداف مباشر قد ينال منها.
إن الطموحات الإيرانية، من شأنها أن تبقي المنطقة مفتوحة على جميع الاحتمالات؛ انطلاقا من اعتقادها في ممارسة حقها الطبيعي، وتقرير مصيرها التاريخي بالهيمنة على المنطقة، وقيادة العالم الإسلامي.
وفي ظني أن وقوع راسمي المشروع الإيراني في حسابات، ورهانات غير دقيقة، رغم قدرتها على التعامل مع حالات عدم الاستقرار الإقليمي، والاستفادة من عنصر الزمن؛ لتنفيذ مخططاتها، قد صرف النظر عن الشأن الإيراني الداخلي، والذي لا زال يعاني كثيرا من اضطرابات حادة، تهدد كيان النظام الحاكم، بعد أن فقد الثقة عند نطاق واسع من الشعب الإيراني.
تشير دراسة أعدها الأستاذ عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، والتي حملت عنوان: «مقومات الإستراتيجية الإيرانية وموقف المملكة»، إلى أن المشروع النووي الإيراني ومنذ بدايته، لم يكن له غير هدف واحد محدد، هو إنتاج القنبلة النووية، التي تضع إيران ضمن النادي النووي.. مشيرا إلى أن القيادة الإيرانية لديها القناعة الكاملة، بأن مسعاها لبناء إيران كدولة كبرى على المستوى الإقليمي، لن يتحقق دون امتلاكها للقدرات النووية العسكرية، أو السلاح النووي، الذي يعد في غاية الأهمية في الإستراتيجية الإيرانية، القائمة على تبني سياسة تدخلية شرسة في شؤون الدول الإقليمية، وتوسيع دائرة النفوذ، والسيطرة الإيرانية؛ لتشمل أغلب المنطقة.
وهو نفس الحلم الذي كان يراود شاه إيران السابق.. وكجزء من الإستراتيجية الإيرانية، تشير الدراسة: إلى ما تقوم به أجهزة الدولة السياسية، والإعلامية في إيران، من حملة تهديدات مكشوفة، أو مبطنة، وموجهة لدول الجوار، ومنطقة الشرق الأوسط عموما، تؤكد من خلالها، نيتها، وقدرتها على التعامل مع التحديات، التي يكون مصدرها هذه الدول.
ومن الأمثلة على ذلك: إطلاق التهديدات العلنية، التي تؤكد قدرات إيران، وإمكاناتها المتنوعة في إلحاق الضرر الكبير بأي دولة من الدول في المنطقة، تتجرأ على تهديدها، أو تحدي مصالحها، والإعلانات المستمرة عن تحقيق الدولة النجاحات الكبيرة في تطوير الأسلحة، والمعدات الحربية، ونمو القدرات العسكرية، التي ستوظف لعقاب الأعداء.
اعتبارات متداخلة، واستحقاقات مؤجلة، تستدعي بلورة موقف خليجي موحد تجاه الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة، والتصدي لأطماعها المتنامية في دول الخليج العربي، إن على المستوى المباشر، أو على المستوى الإستراتيجي، سيكون قوة كاشفة للحقائق الغائبة في محتوى الدور الإقليمي لدول المنطقة، الأمر الذي سيترتب عليه وضع الإستراتيجيات القادمة على أساس التخطيط المحكم للمستقبل، وليس على أساس ردود الفعل.
drsasq@gmail.com