لم يستطع نوري المالكي إخفاء عمله ورغبته الملحة التي ترجمها في فترتي حكمه من فرض الحكم الدكتاتوري، ففي خطاب له في احتفال لحزبه حزب الدعوة الطائفي قال: «على العراقيين أن يختاروا بين الدكتاتورية أو الفوضى»، في إشارة إلى المظاهرات والاحتجاجات التي يقوم بها أهل السنة في المحافظات السنية في الشمال والغرب.
هذا القول الذي أثار استهجان معارضي المالكي واستغراب حلفائه في التحالف الشيعي الذين أدانوا اعتراف المالكي إلى ترسيخ الدكتاتورية، وهي الحجة التي قاموا بمواجهتها والتحالف مع الغزاة الأمريكيين وقوات الاحتلال بعدها لمواجهة حكم صدام حسين المتهم بالدكتاتورية.
المالكي لا يمكن أن يزعم بأن قوله هو زلة لسان، فقد كرره أكثر من مرة من أن «فتنة كارثية ماحقة حالقة تطل برأسها على العراق» ومؤكداً بأن «الدكتاتورية أفضل من الانهيار والفوضى».
هذا الإصرار بالسير على نهجه الذي بدأه منذ فترة رئاسة الحكومة الأولى، ثم استمر عليه في الفترة الثانية، حفز المحتجين وخصوصاً أهل السنة الذين عانوا من حكم نوري المالكي الكثير على أن يوحدوا صفوفهم في تحرك سني وللم الشمل والتوحيد. فبعد الاحتجاجات والاعتصامات التي شملت الساحات في محافظات الأنبار ونينوى وديالي وصلاح الدين وكركوك والمدن الكبرى كالفلوجة والسامراء، تجري المرجعيات الدينية وشيوخ العشائر في هذه المحافظات مشاورات جادة تمهيداً لعقد مؤتمر موسع يضم كبار العلماء من أهل السنة وشيوخ العشائر، لإعلان مرجعية دينية استجابة لمطالبة أهالي المحافظات الخمسة وأهل السنة في العراق لإعادة ترتيب البيت الداخلي بعد أن عجزوا عن ترتيب البيت العراقي.
الاستعدادات والاتصالات قطعت شوطاً كبيراً، وهذه المرة ستضم المرجعية الدينية لأهل السنة أبناءهم من العرب السنة والكرد معاً، فقد أعلن قيادي إسلامي كردي هو الشيخ مولود باوه مراد القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردي بأن ما يجري حالياً هو نهضة جماهيرية لأهل السنة في محافظات العراق كافة لإلغاء التهميش والاقتصاء، وإنهاء الانقسام الذي أوجده المحتلون الأمريكيون ومن حضروا معهم على دبابات الاحتلال بالفصل بين أهل السنة من العرب وأهل السنة من الكرد الذين هم جميعاً عراقيون ومن أهل السنة المتمسكون بالدين الإسلامي الصحيح. ولا يمكن أن ينصاعوا إلى إملاءات من خارج العراق وبالذت من حوزات إيران.
عودة التماسك لأهل السنة وانتخاب مرجعية دينية وهي موجودة، ستجعل من أهل السنة قوة موازية للشيعة إن لم تتفوق عليها بجمع نسب أهل السنة من العرب والكرد الذين يتجاوزون السبعة والخمسين بالمائة، وهو ما يفرض تصحيح العملية السياسية التي أثبتت فشلها بعد أن عجزت الأحزاب الشيعية الطائفية من إدارة العراق بعيداً عن تدخلات إيران وأطماع ملاليها.
jaser@al-jazirah.com.sa