|
نيوريورك - عبد المحسن المطيري:
المحرمات الثلاثة المعروفة لدينا هي (الدين والسياسة والجنس)، لكن تصنيف الأفلام في أمريكا يبدو أنه لا يهتم سوى بالمحرم الثالث، وفي الولايات المتحدة هناك سجالاً حاداً حول آلية تصنيف الأفلام وكيف تعمل طريقة جمعية الفيلم الأمريكي
(Motion Picture Association of America) في تصنيف الأفلام قبل عرضها التجاري في دور السينما الأمريكية والعالمية.
هناك غضب عام من الجمهور الجمعية لأنها في نظرهم لا تتشدد في العنف الجسدي والمشاهد المرعبة في الأفلام التجارية مقارنة ببعض المشاهد الجنسية أو الحوارات التي تحوي على لغة بذيئة وبعضها لا تصدر بضعة مرات في الفيلم خصوصا أن السيناريو يجب أن يُكتب بتلك الطريقة التي تتناسب مع هيئة الفيلم سواء إذا كان تاريخيا أو مستقلاً أو وثائقياً.
هناك الكثير في أوساط المجتمع الأمريكي من لا يثق بتصنيف جمعية الفيلم الأمريكي، التي تعتبر الجهة الوحيدة التي يحق لها تنصيف الأفلام بكافة أنواعها السينمائية والوثائقية وحتى العروض الدعائية.
وهناك من يرى أن الجمعية ليست إلا جهة مسوقة للاستوديوهات الكُبرى في الولايات المتحدة، فهي بحسب بعض المراقبين وسيلة جيدة لتسويق الفيلم، PG13 فالمنتج الجيد هو من يحصل على تصنيف لأن هذا التصنيف سيسمح بالجميع بمشاهدة الفيلم ولكن بالطبع الأطفال يجب أن يكونوا برفقة بالغين، في البداية جمعية الفيلم الأمريكي عند حصولها على نسخة الفيلم الأولية من المنتج على دعوة عدد من الجمهور المتنوع الذي يعرف بالمُقيّمين ويتشكل الجمهور من أعمار مختلفة، وأيضا منهم الطالب ومنهم من يعمل، وهناك المتزوج والأعزب وبهذا وبحسب الجمعية تجد أن مثل هؤلاء هم من يمثلون المجتمع وبالتالي يعرفون ما يصلح وما لا يصلح لأفراد مجتمعهم من مواد تحتوي عليها الأفلام.
تلك الآلية يجدها البعض مختلفة بعض الشيء حيث يرى الكثير أن تصنيف الأفلام يجب أن يصدر من متخصصين أكاديميين في مجالات متعلقة بعلم النفس، لأن طبيعة تخصصهم تجعلهم مؤهلين لمعرفة المواد التي يحتويها الفيلم وبالتالي إعطاؤه التصنيف الأفضل، في دول أوروبا الغربية نجد أن هناك تشدداً على مشاهد العنف والأفلام التي تحتوي على مشاهد خطرة قد يقلدها الأطفال في المنزل.
وفي المقابل نجد أن الأوربيين أقل تساهلاً من اللغة البذيئة والمشاهد التي تتضمن بعض المشاهد الجنسية، على العكس في أمريكا تماماً نجد أن هناك أفلاماً قد تواجه خطر إعطاء التصنيف الأكثر تشدداً في حالة وجود مشهد جنسي بالغ التعري كما حصل مع فيلم (Blue Valentine) الذي كان تصنيفه سبباً مباشرة في حملة نظمها الكثير من المدونين والنقاد والصحافيين ضد إجحاف الفيلم وإعطائه التصنيف الأكثر تشدداً وهو لا يستحقه، قبل أن تعيد الجمعية تصنيف الفيلم من جديد وتعطيه التصنيف الأقل.
هناك إشكالية كبيرة تواجهها جمعية الفيلم الأمريكي في الوقت الحالي وهي عدم اهتمام غالبية أفراد المجتمع الأمريكي بالتصنيف، والمهتمون فقط هم قلة بسبب أن لديهم أطفالاً أو عندهم فوبيا من مشاهد الدم والأفلام المرعبة.
انعدام الثقة متجذر بشكل كبير لدى وسط الشباب حيث لا يهتم الكثير من الشباب الأمريكي بتصنيف الفيلم بل نجد أن بعض دور السينما لا تسأل عن عمر المراهقين لأن بعض الأفلام لا تسمح لمن هم دون السابعة عشرة في حالة تصنيف الفيلم NC17.
ولتجاهل دور السينما للسؤال عن هوية المراهقين سبباً رئيسياً لزيادة الدخل العام لدور السينما، لأن هناك نسبة كبيرة من الجمهور الأمريكي في السينما هم تحت السن القانونية بسنة أو سنتين.
أكبر إشكالية تواجهها الجمعية هي الغضب العام من بعض الجمهور حول آلية التصنيف والمشكلة الكبرى هي مع صناع الأفلام أنفسهم خصوصا المستقلين منهم حيث يتهم الكثير من صناع الأفلام في أمريكا الجمعية بأنها تجامل كثيراً أفلام الاستوديوهات الستة الكبرى في أمريكا خصوصا تلك التي تصدر في موسم الصيف بميزانيات ضخمة حيث لا يمكن أن تشاهد تصنيف R لفيلم صيف ضخم الإنتاج مهما كان يحتوي على العنف وأحيانا مشاهد مرعبة ولكن نجد دائماً أن أفلام البلوك بوستر يتم تصنيفها PG 13، وهذه مشكلة بعض صناع الأفلام الآخرين الذي يجدون أن هناك تشدداً رقابياً على أفلام خصوصا المستقلة منها، في مقابل تساهل ومجاملات مع الأفلام الضخمة الإنتاج، وهذا الأمر دعا أحد صناع الأفلام المستقلين في أمريكا يدعى «كاربي دك» بعمل فيلم وثائقي حول آلية التصنيف، وعنوان الفيلم كان ساخراً «هذا الفيلم ليس مصنفاً بعد».
والمضحك أن فيلم (This Film Is Not Yet Rated)، وتم إرساله لجمعية الفيلم الأمريكي لأن جميع الأفلام في الولايات المتحدة يجب أن يتم تصنيفها قبل أن تعرض للجمهور في دور السينما التجارية، وقد تم تصنيفه بأشد تصنيف متوفر لدى الجمعية وهي NC 17، ويبدو أنه انتقام من الجمعية لصانعي الفيلم لأن الفيلم لا يبدو عليه أن يستحق هذا التصنيف، هو أقرب إلى تصنيف R.
من جهة أخرى يرى بعض المراقبين خصوصا من الأوساط الليبرالية أنه من الرجعية أن يتم التعامل مع الجنس في جمعية الفيلم الأمريكي على أنه من المحرمات ولا يعتبر الحديث في الدين أو في المقدسات محرماً حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد فيلماً يتم تصنيفه على أساس المساس بالأديان سواء السماوية أو الروحانية وذلك التعامل يجده البعض يحمل الكثير من التناقضات لدى الجمعية حيث لا تجد الجمعية «الجمهور» المُحكم إشكالية في سب الأديان ولكن نجدهم لا يتساهلون تماماً مع المشاهد الجنسية، وهذا الأمر ربطه الكثيرون أن هناك ضغوطاً من الجمعية للجمهور المحكم حول المشاهد الجنسية مما خلق نظرية بأن داخل الجمعية مجموعة من من تربطهم علاقات مشبوهة مع شركات تنتج أفلاماً إباحية وبالتالي من المصلحة لتلك الشركات أن يتم التشديد على المشاهد الجنسية في الأفلام السينمائية لكي ينتعش سوق الأفلام الإباحية وتلك نظرية قد تكون صحيحة وقد تكون ليست كذلك ولكن الأهم هو قدرة الجمعية منذ عقود مضت على إقناع المجتمع الأمريكي حول أهمية التصنيف التي تقوم به ولكن يبدو أن لا أحد يتهم بذلك، بالمناسبة هل ذهبت يوماً لدور السينما وحرصت على معرفة تصنيف الفيلم قبل دخوله؟