لم تكد روسيا تشعر بألم في رأسها تجاه أوضاعها الاقتصادية والسياسية إلا وهرعت نحو مشكلة عربية تحشر نفسها فيها حشراً، لعلها تجد مكاناً لها ينجيها من عذاب أليم وسلطانها الذي راح في مهب الريح وسط أدراج الرياح باكية فلم تزل تبكي على اللبن المسكوب في مكانتها بين الدول. فقد انتهجت لنفسها منهجاً لا ينفع ولا يضر لكنه يترك في القلب عداوة برفضها التام للحلول فتتخذ موقفاً مضاداً للمواقف الدولية حتى أصبح ذلك شعاراً لها.
فبالأمس القريب ظهرت مواقفها الداعمة للقذافي، واليوم يتجلَّى تضامنها مع بشار الذي استأسد على سوريا وبات خطراً داهماً على دول الجوار، وتظل تتعنت مع المجتمع الدولي حتى إذا ما وجدت مجابهة من الدول سرعان ما تنازلت قليلاً عن موقفها فتتلوّن متخذة موقف الناقل والوسيط ومتحدثة باسم النظام السوري مدعية أن بشار الأسد لن يتنازل عن السلطة إلا عندما تجرى انتخابات برلمانية.. وهيهات هيهات وقد أفلح إن صدق- كأن روسيا تتمخّض وهي تأتي بهذا الحل وكأنها (جابت الذئب من ذيله)، فهل سيظل هذا الشعب يعيش على أرض سوريا عندما تجرى الانتخابات على طريقة بشار؟! إذا كانت روسيا تترجم كلمة حل بالمعنى الحقيقي أم أنها تقارب (المثل القائل من قرنه وافتله).
هل افتقرت للفكر والمنهج في معالجة الأمور، أم يوجد لديها بضاعة راكدة من الأسلحة بحاجة إلى ترويجها، فمنذ أيام قليلة نجدها تعقد صفقة أسلحة مع العراق بقيمة أربعة مليارات دولار، وقد ركنت لمنطق التاجر الذي يفتقر فيبحث في دفاتره القديمة.
مما لا شك فيه أن وقوعها على ركبتيها بين الحين والآخر هو الذي خلق منها هذه المواقف بعد أن كانت تناطح أمريكا رأساً برأس، وكتفاً بكتف. فلا غرابة في موقفها المتآخي لإيران في دعمها لسوريا، فالأولى تبكي على ما فاتها لعل شعاعاً ينبض في أطرافها، وينفخ من صورتها، أما الثانية فقد تتوهم حلماً لها بسيادة العالم الإسلامي، والعربي وهذا ما جاء كثيراً على لسان مسئولين في الدولة قائلين (آن لدولة الفرس أن تسود العالم بعد أن سادها الأتراك العثمانيون).
إن روسيا وصنعها للمواقف بات باهتاً خالياً من الطعم، والمذاق، فللمواقف رجال وللرجال دول ترفع لها القبعة حتى إن تم الاختلاف على سياستها مثل أمريكا وفرنسا وتركيا الذين كانوا في الطليعة لرفض سياسة بشار وانتهاك الأرض والعرض والقتل فهو نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، مثل نظام ليبيا، فهل تظل روسيا على عهدها عندئذ أم تبحث عن دول ومشكلة أخرى تزج بنفسها زجاً.
إن المبادئ لا تتجزأ تجاه الإنسانية واحترامها، فالوضع الراهن لا يتحمّل كل هذه المهاترات واللعب على حبال الشعوب فكل دقيقة تمر تقتل فيها نفس بغير ذنب، في إطار من التراخي الدولي رغم الصداع الرأسي، والتشدقات للحلول النصفية ويا ليتها تنفذ.
فهل أدركت روسيا ذلك الخطر الداهم على المنطقة أم تبيت في غيابات الجب ترى بعين واحدة ولا تملك يداً تحركها تجاه الحل الشفهي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، أم أنها وقعت في غرام الدول العربية أينما ولّت وجهها شطراً، فتعود الروح إلى جسدها وتشعر بأن أوردتها الباردة الصلبة التي تجمّدت من الثلج قد دبَّ فيها عرق الحمية والنخوة فتعلن أنها على قيد الحياة.
- أستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية