تحركات وزارة التجارة والصناعة لضبط أسعار السلع والمخالفات التجارية تكاد تكون العنوان الأبرز في تغطيات وسائل الإعلام منذ عدة سنوات ولعل السنة الأخيرة شهدت تطوراً مهما بتدخل معالي وزيرها مباشرة لتلقي الشكاوى من المواطنين والتدخل السريع لاحتواء أي ارتفاعات للسلع.
لكن كل ذلك لم ينجح بمنع الارتفاعات بالأسعار أو حتى وقوع مخالفات أو إشكاليات بالكيانات التجارية مما يعني أن المشكلة موجودة بمكان آخر غير الذي تتوجه منه الوزارة لمعالجات الآثار السلبية للارتفاعات أو المخالفات والتصدي لها فلم تمنع كل تدخلات الوزارة لضبط أسعار الأسمنت من تكرار التلاعب والتعطيش للسوق بمناطق متعددة بهدف رفع الأسعار وكذلك الأمر بالنسبة لبعض السلع الغذائية الرئيسية رغم أن الوزارة زادت من عدد مراقبيها وخصصت أرقاما للتواصل مع المواطنين والمقيمين لتلاقي الشكاوى حول المخالفات والتلاعب بالأسعار ولكن كل ذلك لم يخفف من حجم التلاعب فنسمع الآن عن رفع أسعار سلع كالأرز وحليب الأطفال بنسب تفوق أي ارتفاع بأسعارها عالمياً ورغم تراجع أسعار الحديد عالمياً إلا أن محاولات التجار لرفع سعره لم تتوقف معاكساً اتجاهه خارجياً.
كل هذه الأمثلة التي ذكرت تعبر عن أن المعالجات تطال النتائج وليس الأسباب مما يبقيها تتكرر بين فترة وأخرى ولعل الاحتكار والأرضية التي تسمح ببقائه مما يمسك بقبضة العرض على حساب الطلب هي من أهم المشكلات التي لا بد من التحرك المباشر للقضاء على كل ما يساعد باستمراره مما يتطلب مراجعة الأنظمة واللوائح للتراخيص التجارية وطرق مراقبة المخزون من السلع وتكاليفه وتوزيعه على مستوى المملكة بما لا يترك مجالا بتحريك الأسعار بشكل عشوائي أو انتهازي لاستغلال أي حدث فبمجرد إعلان الميزانية العامة نجد أن أسعار سلع مواد البناء ترتفع ويتكرر ذلك منذ سنوات رغم عدم وجود مبرر حقيقي له من حيث التكلفة أو حجم المخزون أو الإنتاج وهذا ما حدث أيضا مع تطبيق قرار رفع رسوم العمالة الوافدة إذ إن أثره لا يتعدى نصفاً بالمائة ورغم ذلك حاول التجار رفع الأسعار للسلع والخدمات بنسب كبيرة جداً.
وهنا لا بد من الانتقال للسبب الآخر للتلاعب بالأسعار وهو هيكلية السوق إذ يكثر فيه الموزعون ذوو الأحجام الصغيرة ويسيطرون على أكثر من 80 بالمائة فيه وتكثر أعمال التستر بأوساطهم ويستفيدون من إغلاق السوق أمام المنافسة الخارجية للعديد من النشاطات بمجال التجزئة وعدم السماح بالتوسع العشوائي لتراخيص المحلات الصغيرة وغياب دور الوزارة بمحاربة التستر بالشكل الفاعل والمؤثر بكل القطاعات التي ينشط بها مما يتطلب تحركاً حقيقياً ومختلفاً من قبل الوزارة لضبط السوق وأنشطته ووضع قوانين أكثر صرامة لمعالجة الخلل الناجم عن التستر.
كما أن أحد أسباب الخلل بالسوق هو تأخر صدور نظام الشركات الجديد وما يحتويه من أنظمة تضبط أداء الشركات وتحد من التلاعب من قبلها بحقوق المساهمين وكذلك الأثر المتوقع إيجابا من تنظيم الشركات وتوسيع المراقبة عليها وتطبيق الحوكمة بما يعزز من الرقابة والحماية للاستثمارات بالاقتصاد المحلي ويرفع من أحجامها فالنظام المعمول به حاليا تجاوز عمره الأربعين عاماً بالوقت الذي تغير فيه الاقتصاد المحلي حجما وتنوعا بشكل كبير جدا خلال نفس الفترة.
وزارة التجارة حاضرة بكل تفاصيل الحياة الاقتصادية ومتداخلة بكل جوانبه وحققت الكثير من الإنجازات في عهد وزيرها الجديد الدكتور الربيعة، إلا أن المعالجات التي تتم حاليا للكثير من القضايا التي تؤثر على المستهلك والاقتصاد عموما ما زالت تصب في جانب ردات الفعل فالوزارة لم تفعل دور حماية المستهلك بالشكل الواسع لا على مستوى إداراتها المتخصصة بهيكلها التنظيمي أو من خلال جمعية حماية المستهلك التي ما زالت متواضعة الأداء مما يضع جهود الوزارة تحت الضغط المستمر والعلاج يتطلب القفز لتنظيمات وتشريعات أكثر دقة وصرامة وإيجابية مما هي عليه الآن، ومن المؤكد أن هذا الموضوع هو في أولويات اهتمام الوزير النشط ومتابعته للخروج من هذه الأزمة التاريخية.