هناك مثل كويتي شهير، يقول: (لا تبوق.. لا تخاف) ولمن لا يعرف معنى كلمة (تبوق) أي تسرق. هذا المثل ينطبق تمامًا على وزارة التربية والتعليم، التي حجبت مؤخرا أسماء مؤلفي ومراجعي المناهج الدراسية لمواد الدين واللغة العربية، هذا -بلا شك- بعد الجدل الطويل الذي مر خلال السنوات الماضية عبر وسائل الإعلام، بعد أن تبيّن وجود أسماء متطرفة بل ومتورطة في قضايا التطرف، وهذه الأسماء ساهمت في تأليف ومراجعة هذه المناهج، مما ينذر بأن الخطر الفكري على عقول النشء لا زال قائمًا، وأن محاربة الإرهاب الأمنية لا تتوازى مع محاربة الإرهاب الفكرية، وهنا الأساس، لأن الحِراك المتطرف والذي يصل إلى القتل والتخريب أو التحريض عليهما، هو نتيجة لعقل تشبّع بالأفكار المتطرفة، التي آذت ومستمرة بإيذاء هذا المجتمع الذي يتوق إلى حياة نقيّة بعيدة عن هذا الهم الذي ابتلينا به، إلى درجة مخيفة تجعل المتابع والمراقب للفكر المجتمعي يشعر -أحيانًا- باليأس من أن يُثمر العلاج الفكري، هذا إن كان بالفعل هناك علاج فكري جاد! يبدأ مع الناس من المراحل الأولى، ولا ننتظر العلاج بعد أن يستفحل المرض، لأن معالجة المرض الإرهابي المستعصي، لن تعطينا النتائج المطلوبة والشواهد تؤكد على هذا، فكم من انتكاسة بعد التوبة؟ وكم من عدوى انتقلت بسرعة انتقال الأوبئة المعدية إلى عقول غضّة طرية، تضيع وتفقد هذا المستقبل، والنظرة الجمالية إلى الحياة بسبب الأفكار السوداوية المتلهفة على الموت!
إن وزارة التربية والتعليم، هي أولى المؤسسات التي تتحمل المسؤولية المباشرة في بناء العقل، وتشكيل الفكر وتوجيهه، ويكفي كل تلك السنوات التي فتحت فيها الوزارة أبوابها لمدعيّ “الصحوة” فرع “الإخوان المسلمين” بالسعودية، والذين خرجوا علينا بلسان سعودي حتى يقتربوا من الناس، ونجحوا في هذا، وكل ما كُتب وما تم تداوله في وسائل الإعلام، أو عبر الندوات والمحاضرات، وجلسات الحوار الوطني، هي مجرد أفكار وضعت إصبعها على بيت الداء، لذا فإن الدواء هو بيد وزارة التربية والتعليم -وحدها- كجهة أولى، وقيامها بإخفاء أسماء مؤلفي أخطر المناهج التي تمس الفكر بشكل مباشر، وهي مواد الدين واللغة العربية، يعني أن الوزارة لم تطرح حلاً تتفادى فيه إخفاقاتها السابقة في فتح الأبواب وترك المجال للمتطرفين، بل إن الحل لدى الوزارة هو بالتستر وإخفاء أسماء المؤلفين حتى لا تفتح على نفسها قنوات للنقد، وهذا الأمر لا يخص الوزارة وحدها، بل يخصنا جميعًا، فمن حق كل أم وكل أب أن يتعرفوا على أسماء من يضعوا اللبنات الفكرية لأبنائهم، ومن حقنا جميعًا أن نعترض على أي اسم له سوابق في التطرف وعُرف عنه هذا، أو عليه قضايا لمثل هذه الأسباب!
ما أنا متأكدة منه، أن حجب وزارة التربية والتعليم لأسماء مؤلفي ومراجعي هذه المواد، هو علاج خطأ بخطأ آخر، وإن كانت على ثقة بسلامة منهج وفكر من وضعوا هذه المناهج، فلا بد أن تواجه الجميع بقلب سليم وتضع الأسماء بكل ثقة!
www.salmogren.net