|
الجزيرة - محمد السهلي:
يتساءل البعض عن إحجام بعض البنوك عن نشر الفتاوى المتعلِّقة بالمنتجات و الصادرة من الهيئات الشرعية التي بداخل هذه البنوك. فعندما تقوم البنوك بنشر هذه الفتاوى يساهمون في الوقت ذاته في تثقيف المجتمع وزيادة الحراك العلمي والبحثي.
وعلى الجانب الآخر فبعض البنوك العالمية ترى أن من حقِّها الاحتفاظ بهذه الفتاوى ولاسيما أنها خسرت أموالاً كثيرة من جراء تطوير هذه المنتجات أو حتى دفع الأتعاب الخاصة بالفقهاء. وعليه فهم ينظرون الى الأمر على أنه يمثّل ملكية فكرية لهم.
وبسبب ذلك ظهر هناك حاجة لتكوين أرشيف يحوي الفتاوى المتعلّقة بكافة المنتجات المصرفية. يعلّق على ذلك الدكتور محمد قسيم، رئيس الهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي في باكستان، «تتألف الفتوى من قسمين:
الأول يتحدث عن المبادئ الشرعية التي تقوم عليها الفتوى.
القسم الثاني من الفتوى يتعلّق بتفاصيل المنتج.
هذا الجزء الثاني يمكن أن يُعدُّ من الملكية الفكرية؛ لأنه حتى العمليات التي تُحال إلينا والتي نجيزها، فإنها بمجرد إجازتها تصبح جزءًا من الفتوى. وحيث إننا نصدر الفتوى في سبيل وضعها موضع التنفيذ، فإن هذه هي الكيفية التي سيتم بها تنفيذ الفتوى كذلك».
ويواصل: «لذلك أقول: إن القسم الأول المتعلّق بالأحكام الشرعية، والذي يستند على القرآن والسنَّة، ينبغي نشره ولا يمكن اعتباره من الملكية الفكرية. لأن الناس يسألوني أينما ذهبت ويقولون: إنني أصدرت فتوى بخصوص هذا المنتج، وأنه حلال، لذلك أجد لزامًا عليَّ أن أبيِّن لهم الأمر، ولكنني لا أستطيع أن أطلعهم على التفاصيل، على اعتبار أن البنك استثمر في هذا الأمر، وعمل الناس وبذلوا جهدًا للوصول إلى تصميم المنتج.
هذا الجزء يُعدُّ من المِلْكية الفكرية. لكن أحيانًا تكون المشكلة هي أن بعض خدمات الاستشارات المالية تضع في العقد فقرة أو فقرات تَحظُر بموجبها الإفصاح عن المبادئ الشرعية الأساسية التي يقوم عليها منتج معين.
لذلك من غير المقبول أن نقول: إنه إذا أصدر أحد الفقهاء فتوى، فإن الجزءَ الشرعيُّ من الفتوى يصبح مِلْكية فكرية من حق البنك».
وحول عدم نشر الفتوى والاكتفاء بتوقيع إجازته من الهيئة الشرعية، يقول أحد الفقهاء -الذي فضل عدم الكشف عن هويته-: «هناك خلطٌ بين الفتوى وسمات المنتج. الفتوى ليست من اختصاص العموم، وإنما هي من اختصاص البنك. الفتوى التي نصدرها تخص المنتج فقط، وبالتالي فهي من حق البنك».
وحول ما إذا ما كان من مصلحة الصناعة الإسلامية استخدام نفس المنتجات المالية للشركات الأخرى، وذلك من أجل تسريع وتيرة النمو وعدم التباطؤ، يقول هذا الفقيه: «لا أعتقد أن ذلك سيساعد على تباطؤ النمو.
لكن توجد بعض البنوك التي تقول: «هذا من حقّنا، لأننا دفعنا المال مقابل الحصول عليه، ومقابل تطويره، ومقابل تسويقه. ومن يريد الحصول على هيكل المنتج، لا بد له من أن يدفع المال مقابل الحصول عليه، بمعنى أن يقاسمنا في التكاليف التي تكبدناها في سبيل التوصل إلى ذاك المنتج.»
من ناحيتها ترى البروفيسورة رسني حسان، المتخصصة في التمويل الإسلامي التي تعمل محاضرة في الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا، أنه يمكن أن يؤدي نشر الفتوى (الذي يكون ذا طابع عام) يؤدي إلى نشوء سوء الفهم لدى الجمهور، لأن الجمهور يفهم الأمر على نحو مختلف، حيث إنهم يأخذون الأمور بجانبها الحرفي دون فهم للمبررات التي أدت إلى إصدار الفتوى المذكورة.
لذلك تجد الناس أحيانًا يلقون باللوم علينا ويتساءلون: «كيف استطعتم القيام بأمر من هذا القبيل دون أن تأخذوا في الاعتبار أمورًا أخرى».
توحيد المنتجات
ودائمًا ما اُعتبرت قضية توحيد معايير التمويل الإسلامي بمثابة عنق الزجاجة في هذه الصناعة ذات النمو السريع. فقبل ما يقارب الأربع سنوات, قامت هيئة تشريعية مصغرة مختصة بمعايير التمويل الإسلامي بوضع مستندات معيارية موحدة لعقد المرابحة بالسلع المثير للجدل، في خطوة جريئة وصفت بأنها محاولة جادة «لإصلاح» هياكل المنتجات الشرعية.
ويعتبر عقد المرابحة بالسلع المنتج الإسلامي الأكثر استخدامًا لأغراض إدارة السيولة في المؤسسات المالية. وفي تلك الفترة كان منتج «مرابحة السلع» يجتذب الانتقادات بسبب طريقة استخدامه و تنفيذه من قبل الوسطاء.
وأعلنت «السوق المالية الإسلامية الدولية»، ومقرها البحرين، في أواخر 2008 أنها تمكنت من تطوير مجموعة من القواعد الإرشادية التي يمكن أن تعمل على توحيد المعايير في تعاملات «المرابحة في السلع» وجعل صفقاتها أسرع وأقل تكلفة.
وأطلقت الهيئة على هذه الاتفاقية اسم «الاتفاقية الأساسية لعقود مرابحة الخزانة»، وهي أول وثيقة مرجعية متخصصة في سلعة المرابحة بالسلع. وقال إجلال آلفي, الرئيس التنفيذي للسوق المالية الإسلامية الدولية: «إن ما نحاول القيام به في هذا المقام هو وضع مستند موحد يعد معيارًا للصناعة يمكن للجميع استخدامه».
وأشار إلى أن الاستجابة للمستند الموحد تعد إيجابية. ولكنه أوضح أن هذا المستند غير ملزِم، على اعتبار أن «السوق المالية الإسلامية الدولية» ليست جهازًا رقابيًا ولا يتمتع بصلاحيات فرض القوانين ومعاقبة من يخرج عنها على حد قوله.
يذكر أن صناعة التمويل الإسلامي ذكرت مرارًا أن غياب المعايير والمستندات الموحدة يعد من أهم العراقيل التي تقف في وجه هذا القطاع سريع النمو. فالفقه الإسلامي منفتح على الاجتهاد، وهو ما يؤدي إلى اختلاف في الممارسات البنكية، وفقًا لما يقوله مستشارو المؤسسة المالية المعنية.
مرابحة السلع
كثيرًا ما تستخدم المعادن أساسًا للمرابحة في السلع، ولكن في الحقيقة قد لا تكون هناك أشياء فعليه داخلة في هذه العملية.
وفي عقد المرابحة بالسلع، يستخدم البنك فائض سيولته لشراء السلعة بطريقة تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وتشتمل هذه العملية على شراء سلعة من السلع كالمعادن التي يملكها بنك آخر لمدة زمنية محددة مسبقًا وبعائد محدد سلفًا.
وبعدئذ يقوم المشتري بدوره ببيع السِّلعة بالسعر السائد، ويكون مدينًا للبنك بالسعر المحدد الذي اشترى السِّلعة به. بعدها يقوم العميل بسداد تكلفة السِّلعة للبنك مضافًا إليها أتعاب البنك أو «ربح معين» في وقت لاحق.
وبهذه الطريقة، يحقِّق البنك ربحًا وفي الوقت نفسه يكون المشتري قد حصل على التمويل من البنك.