في مجتمعنا مرّت المرأة بتحوُّلات مرحلية هامة، امتدت لأكثر من خمسة عقود؛ ابتدأت منذ معركة دخولها إلى التعليم لتتسلّح بالعلم والمعرفة، ولتكون عنصر إنتاج وعطاء وبذل، بدل أن كانت مجرّد عنصر استهلاك، وفي أحسن الأحوال (خادمة) للرجل، تعيش عالة عليه، فتستظل بظله، وتستمد مكانتها من مكانته، وقيمتها من قيمته.. كان (استقلال) المرأة كشخصية اعتبارية محترمة في مجتمعها، تقف بجوار الرجل لا خلفه، لها ما للمواطن الرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجبات، هو بيت القصيد ومربط الفرس، والغاية التي تطمح إليها المرأة السعودية العصرية، ليكون لها مكانة حضارية مثل ما لنساء العالم المتحضّر من قيمة ومكانة.
لم تكن هذه الطموحات سهلة ولا يسيرة وإنما كان السبيل إليها تحفّه الكثير من المصاعب، وتكتنفه التحديات، في مجتمع صعب المراس، عنيد، مُنغلق، تحكمه العادات والتقاليد (الصلداء) المتراكمة منذ مئات السنين، والتي كان تغييرها وتحويلها إلى تربة معطاءة، تُنبت وتُثمر وتُعطي، يتطلّب جهداً جهيداً، وعملاً دؤوباً، وزمناً وعلماً و وعياً وثقافة واطلاعاً، ناهيك عن الإصرار والمثابرة التي لا تهدها الإحباطات، ولا تُوقف حثيث سيرها العوائق مهما كانت كأداء، فضلاً عن أنّ التخلُّص من هذه العادات والتقاليد القميئة التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، يختلط فيها الاحتقار بالأنوثة، ويرتبط فيها الازدراء بنون النسوة ارتباط الكف بالساعد، تحتاج إلى إيمان لا يتزلزل وأجيال وصبر وتؤدة وخطوات راسخة كي تتغير هذه النظرة، وتتحقق ما تطمح إليه المرأة العصرية في مجتمعنا من آمال، ليكون لها مكان تحت الشمس.
وإذا كان هناك رجال بذروا البذرة في البداية، وأصرّوا على تعليم المرأة السعودية وتحقق لهم ما أرادوا في النهاية، فإنّ هناك نساءً كان لهنّ دور رائد ومشهود في المشهد التنموي النسائي، استلمن راية الريادة من الرجال المؤسسين، وعملن بإيمان وجهد وإخلاص، حتى وضعت المرأة السعودية المعاصرة أقدامها على المسار الصحيح.
الدكتورة (ليلى بنت عبدالعزيز الهلالي) رائدة من أولئك الرائدات التي سيسجل التاريخ سيرتها بأحرف من نور، فقد كان لها دور مشهود في إدخال المرأة إلى العمل البلدي في مدينة الرياض، كانت - كما يروي عنها من عملن معها - شعلة من نشاط، وأسطورة من إخلاص، مؤمنة بهدفها، مدركة أنها تؤسس لمرحلة عصرية متقدمة تشارك فيها المرأة في تنمية مدينتها مشاركة مفصلية، لتصبح هذه المشاركة واقعاً في المجتمع، وآلية من آليات العمل البلدي التي منها ستنطلق المرأة إلى كل المجالات.. كان وضوح الهدف بالنسبة إليها بمثابة أسّ نجاحها الأول، فكانت تعي ضخامة المسؤولية، وتدرك - كما يقولون - أنّ مهمتها في البداية ستكون صعبة، لكن لابد من (الهدف) وإن طال السفر ، ولابد من الإصرار مهما تكالبت العقبات، ولابد من المثابرة حتى تتحقق الغايات، وفي النهاية حققت هذه الرائدة ما بذرتـه طوال سنين عملها، وقطف مجتمعنا جهودها وإصرارها ومثابرتها ثماراً يانعة؛ شابات كأنهن الورود تمتلئ بهن الأقسام النسائية في أمانة بلدية الرياض؛ وها هي تغادر عملها وقد أينعت ما غرسته في الأمانة شابات كأنهن الورود سيستلمن القيادة بعدها، وأملنا أن تستمر المسيرة، وتبقى المرأة في أمانة بلدية الرياض تعنى بخدمة مدينتها تماماً مثل الرجل.
لها أقول نيابة عن كل مواطنة ومواطن مخلص في هذه البلاد: ستبقين أيتها الرائدة ما بقيت الرياض المدينة واحدة من روّاد العمل البلدي فيها، وستبقى أعمالك وكل ما بذلتيه طوال سنين عملك في الأمانة تشير إلى أنّ (ليلى) مرّت ذات صباح مشرق من هنا.
إلى اللقاء.