* كثيراً ما نقرأ، أو نواجه انتقادات حادة بإفراطنا في تمجيد الأحياء حينما يرحلون، ويلتحفهم الثرى، وتجاهلنا لهم أثناء حياتهم، وفي أوج عطائهم، ولو افترضنا بصحة ذلك على الإطلاق، وتجاوزنا بعض مبادرات المؤسسات المختلفة في تكريم الأحياء،
وهو تجاهل ليس في مكانه بطبيعة الحال، لكننا نستطيع القول أمام ذلك: أن الإعراض، أ وعدم الاندفاع وراء تمجيد الشخصيات المعاصرة له ما يبرره، دينيا، واجتماعيا، وثقافيا.
* أحياناً، وإن كان من النادر في زماننا المادي ترفض بعض الشخصيات ذات الشهرة، أو ذات التوجه الديني بالذات مثل هذه العادات التي ربما يكون من ورائها أهدافاً أخرى غير معلنة، أو لا يستطيع استظهار أبعادها كل شخص. ومن المعروف أن بعض أنماط هذا التكريم على شكل منح، أ وهدايا، أو عطايا ربما تؤثر في توجهات الإنسان، أو العالم والمفكر بالذات، وتصرفه عن أهدافه السامية، وغاياته النبيلة، ومثله العليا في الحياة إلى أهداف أخرى لا نفع للمجتمع، أو الإنسانية منها. هذا إلى جانب أن بعضهم يرون ما يقومون به من أعمال جزءا من مهامهم الوظيفية التي يتقاضون الأجر عليها.
* وفي أحيان أخرى قد تقود الهالات الإعلامية المصاحبة لذلك، قد تقود الإنسان حينما تتغلب العواطف على العقل إلى التعالي والغرور، والزهو والكبرياء، والشعور بالعظمة، وهي من الأمراض الاجتماعية الخطيرة متى دبت في مفاصل هذه الشريحة من المجتمع التي يرى الناس فيها ما لا يرونه بغيرهم من مثاليات التواضع، والشعور بالقصور، مهما كانت قيمة العمل، أو المنجز، أو المشروع الذي تبناه في حياته، واجتهد في الإخلاص له.
* وحينما تكون الشخصيات المستهدفة بالتكريم تتسنم أعمالا، أو مهام وظيفية كبرى في أجهزة الدولة، أو يكون لها ذلك النفوذ بأي شكل من الأشكال فربما يداخل هذا العمل شيء من التملق، أو المداهنة، أو المحاباة لجلب مصلحة من المصالح المادية، أو المعنوية، أو لدفع ضرر محتمل، وقد أومأت السنة النبوية في غير موضع إلى شيء من هذا الارتياب حيال مثل هذا السلوك. لهذه الأسباب كلها نجد من يرجئ ذلك الاحتفاء لبعض الشخصيات حتى تنقطع صلته بالأحياء، وتزول مثل تلك الظنون على أي حال كانت، عند ذلك يكون الوفاء لا غيره هو الحادي والدافع لذلك الصنيع.والوفاء بين البشر إحدى الخصال المحمودة التي حث عليها الإسلام، ورغب فيها، وندبنا إليها في غير موضع. وهي سمة من سمات النبل، والشهامة، والمروءة عند بعض الشخصيات العظيمة.
*قد نجد بعض الأطروحات في هذا السياق تخرج عن الدعوة إلى تكريم ذوات بعينها إلى ما هو أبعد، حين يتنادون إلى حث مؤسسات الحكومة، وبمشاركة القطاع الخاص على تبني المشروعات العلمية، واحتضان المواهب، وتوفير وسائل الحياة الكريمة لهم أثناء حياتهم، لكي يؤدوا مهامهم في جو ينعم بالهدوء، والأمن، والاستقرار في العيش، وهذا بطبيعة الحال يدفعهم نحو الإبداع، والابتكار والعطاء، المتجدد للمجتمع المحلي وللإنسانية بشكل عام، ولعل هذا مما لااختلاف عليه، وأعتقد أن نواة مثل هذه التوجهات موجودة في بلدنا العزيز، لكنها غير مبلورة للمجتمع بشكل واضح، أو أن بعضها لم يأخذ الطابع المؤسسي الذي ينطلق المجتمع من خلاله، أو يتخذ بعضها صبغة مناطقية، أ وقبلية تنطوي على عصبية غير محمودة أحيانا.
*الطريف في أخلاقيات الناس، ومن يشعرون في النديّة فيما بينهم الامتعاض، أو السخط حتى على الأموات في مراسم تكريمهم والاحتفاء بهم، ولا غرابة في ذلك فقد قال القائل:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهمٍ
وبألفِ ألفٍ ترزق الأمواتُ
*هكذا، حتى وفي الموت لا نخلو من الحسدِ.
dr_alawees@hotmail.com