رأى الصغير في منامه أخطبوطاً ضخماً يتحرّك في فضاء نومه.., وحين نهض أصرّ على أبيه أن يأخذه لبيت الأخطبوط..
بكى وتمسّك بأطراف ثوب أبيه يشدّه بقوة، يريد الذهاب إليه, وصف إنه قوي, وله أقدام ضخمة، وكلكل عظيم، وسواعد طويلة، وصوت يدوي، وعينان حنونتان لكنهما مشعتان..
قال إنه نشط، يرفع قدميه فيصل للسماء, ويضرب بهما فيشق الأرض, وأنه حمله على ظهره، وطوف به، ذهب به للبحر وسبح معه، وصاد له ما لذّ من الأسماك، وزينه بلآليء مرجان، وأركبه اليخوت, والسفن, والقوارب، وظهور الدولافين، وسطوح أجسام الحوت، وصرع معه القروش، والتماسيح, والثعابين..,
قال إنه ارتفع به فمكنه من أطراف الأشجار النائفة, وقطف له ما لذّ، وطاب من ثمارها مختلفة اللون, والشكل، والطعم,..
قال إنه هزّ بيده التراب ، وعجن بقدمه الطين، وحطب بيده الشجر، ونزح بيده ماء النهر، والعين، ومزجها فأقام له بيتاً كبيراً, بفناء شاسع، وجاء له بما يحب من الألعاب، والملابس، والأحذية،.. وعلّمه كيف يتكلم بلغته.. قال لأبيه إنه يفهم كلام الأخطبوط ويتكلم مثله..
والأب مندهشاً يسمعه، وعبثاً يقنعه..
بكى الصغير يشدّ في ثوب أبيه، يريد الذهاب للأخطبوط، فهو قوي لكنه معطاء، وهو مخيف لكنه حنون، وهو كبير لكنه قريب، وهو قاتل لكنه وديع..,..!!
حاول الأب بأساليب مختلفة أن يقنع ابنه بأنّ الأخطبوط لا يعيش في بيوتنا، وأنّ ما يذكره عنه إنما كان في منامه..,
بكى الصغير بحرقة.., فقد هيمن الأخطبوط على فكره، وحسه, وقناعته..
وحين يئس من أبيه ذهب الصغير يبكي بحرقة، أقلق دونه باب حجرته، انتحب باكياً في عزلته.. جأر حتى عبأ البيت بصوته..
عشش فيه الأخطبوط.., هيمن على حواسه.., وفكره..
والأب خلف الباب يتكلم.. ويتكلم ويذهب ما يقول صدى.. لا يسمعه، ولا يَقنَعُ به ابنه..
تنهّد وهو يقول: أخطبوط.., أليس هو أخطبوطاً..؟
ليته ما نامَ أبداً..!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855