إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، إنا لله وإنا على هذا الطريق ماضون، الله المستعان، لقد توفي فوزان، توفي رجل البذل والعطاء، توفي أبو المساكين والفقراء، توفي صاحب القلب الكبير، توفي صاحب البذل الوفير، توفي صاحب الأيادي البيضاء، المنفق المتصدق بالسراء والضراء، ما أصعبه من خبر، وما أقساه على قلوب البشر. أحسن الله عزاء أهله ومحبيه، بل أحسن الله عزاء الزلفي ومن فيه.
قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) سورة البقرة. وروى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد). شهدنا له بالبذل والعطاء، شهدنا له بالكرم والسخاء، شهدنا له بالخير والإحسان، شهدنا له بالصدق والإيمان، شهدنا له بخدمة القرآن وأهله، باختصار (رجل لن يجود الزمان بمثله).
مرت جنازة بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقال: لمن هذه؟ فقالوا: لفلان، وأخذوا يشتمونه ويذكرونه بأسوأ الأوصاف، فقال عليه السلام وجبت!، وبعدها مرت جنازة أخرى فسأل عنها أيضاً، فقالوا: لفلان الرجل الطيب ذا الخلق الحسن، فقال عليه السلام: وجبت!... سأله أحد الصحابة عن معنى كلمته وجبت؟ فقال الرسول عليه السلام (أنتم شهداء الله في أرضه، أما الأول ففي النار وأما الآخر ففي الجنة).
جنازة مهيبة، جموع لا تعد ولا تحصى، هناك من ذهب بعد غروب الشمس وهو لم يعز!! ما هذا الحب الكبير الذي بناه فوزان -رحمه الله- لنفسه؟! إنها محبة الله لعبده الصالح: قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (إذا أحب الله عبداً قذف حبه في قلوب الملائكة، وإذا أبغض الله عبداً قذف بغضه في قلوب الملائكة، ثم يقذفه في قلوب الآدميين)، وقال أيضاً (إذا أحب الله نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)، فعلاً أحبه الله فأنزل محبته في قلوب البشر، وقبوله لدى الجميع.
حزن لوفاته جمعيات البر وتحفيظ القرآن، وحزن لفراقه اليتامى والأرامل، لقبوه (خادم القرآن الكريم، ما أشرفه وأعظمه من لقب عظيم، جائزته السنوية تشهد له، وسلات الفهد الخيرية ستشفع له، عزته الجمعيات بالصحف والمجلات، وبكاه القادمون على الحلقات، أكتظ المكان بالمعزين، عزوا أنفسهم قبل تعزيه أهله المقربين!!، ألم أقل إنه فقيد الجميع، شيخ وشاب وحتى الطفل الرضيع!!، لن توفي حقه الكلمات، ولن تحصي محاسنه المراثي والأبيات.
رحم الله المتصدق بالليل والنهار، رحم الله المنفق الباذل البار، جعلك الله من أصحاب اليمين، وجمعنا بك في عليين، الناس تبكي لفراقك يا فوزان، جمعيات وحلقات تحفيظ القرآن، الكل يذكر محاسنك العديدة، من وقف وتبرع وأفعال فريدة، جعلها الله في ميزان حسناتك. فيا ربي اجعله من ورثة جناتك، احشره يا ربي مع المتقين والصالحين، وارزقه شربة من حوض نبيك الأمين، اللهم وآنس وحشته في القبر، وآمن فزعه يوم الحشر، اللهم استجب يا مجيب، فإنك دوماً من عبادك قريب.
- الزلفي